الجمعة، يونيو 24، 2011

السياسة والمشروع الاسلامي 7



لفهم آليه عمل المشروع الاسلامي هناك عدة محاور اساسية يجب 
الإلمام بها ، ولعل أبرز هذه المحاور هي الفهم الشمولي للإسلام فالفهم الشمولي للإسلام لايتوقف أبداً على تطويع الإسلام ليناسب ثقافة ما أومرحلة تاريخية ما أو مكان ما ، فلعل أحد أهم وأعظم أسباب نجاح المشروع الإسلامي تتركز في كونه بيئة بها من المرونة تسمح لصاحبها بالحذف والإضافة والتجديد والتأصيل والابتكار والمحاكاة في نفس البيئة ، فهو من الغنى بحيث يسمح للإنسان بأن يطلق لاجتهاداته العنان ولكن بشرط وحيد وهو عدم المساس بالصالح العام ومقدرات المسلمين ، والاسلام ينطلق من كافة القواعد القيمية وليس لأحدها أي أهمية عن الأخرى فالمساواة قيمة أصيله ولكنها لاتقل أهمية عن قيمة العدل أو الحرية مثلاً 
لذلك فالمنظومة الإسلامية لايوجد بها تلك النظرة الأحادية التي قامت عليها التيارات ولايوجد بها ذلك الجمود الذي أدى إلى ترهل وتلاشي بعض الأفكار ولايوجد بها ذلك التسيب الذي ادى إلى اضمحلال بعض الحضارات ، ولكن هناك معادلة هامة جداً للبدء في تطبيق ذلك المشروع بنجاح فأنت لاتستطيع أن تحرك سفينة في الماء وإن كانت على أحدث طراز في التصميم والتجهيزات الملاحية مع إغفال أي من أساسيات النظم الملاحية وإن كانت بدائية وصغيرة 
لذلك فيجب على من سيقوم بالبدء في تطبيق المشروع الإسلامي أن تكون له "رؤية واضحة" للمشروع نفسه حتى لايتخبط في عثرات  الطريق ويسيء للاسلام ولنفسه وللمسلمين  ، ولفهم الجملة السابقة يجب إلقاء  الضوء على  معنى المفهوم الشمولي للإسلام وهو ما يتضح بالنظر لبعض جزءيات النظام 

الإسلام والإقتصاد 

كما سبق ونوهنا فالإسلام يطلق للفرد والمجتمع حرية الإدارة الكاملة للحياة ومنها البعد الإقتصادي بكافة اتجاهاته ولفهم معنى التطبيق السليم للمشروع الإسلامي وانعكاساته على الإقتصاد يجب أولاً إلقاء الضوء على الإطار العام للإقتصاد في ظل مشروع اسلامي شمولي 
وهذا الإطار مثلاً له ثلاثة أبعاد هامة جداً يضعها في عنق  الحاكم والمحكوم بحد سواء وتتمثل في إدارة المنظومة الإقتصادية مع مراعاة الإطار الفقهي الإقتصادي العام ويتمثل في جانب الزكاة بأبوابها واجتهاداتها وجانب الربا بمفاهيمة واصوله المتعارف عليها والبعد الثالث يتمثل في باب المعاملات وما يجوز فيها وما لايجوز 
فالأساس الإقتصادي الإسلامي الشمولي يقوم على عدم جباية أي أموال من المسلمين أو غير المسلمين تحت أي مسمى عدا أموال الزكاة وما يقابلها لدى غير المسلمين وهي الجزية وليس للحاكم أو غيره بعد ذلك  فرض أي إلتزام آخر على الناس سوى الرسوم الخدمية المتعارف عليها وتتسم بالضئالة الشديدة ، وأي أموال تفرض على الناس بخلاف ذلك تسمى المكوس وعقوبتها شديدة جداً حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى الرجل الذي كان يسب الغامدية التي زنت ورجمت بقولة "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " (مسلم)ولذلك لايوجد لدينا أية أنواع من الضرائب أو الجمارك أو أي فرض يفرض على الناس سوى الزكاة ومقابلها لغير المسلمين ، ولا يوجد سوى رأي وحيد لبعض أصحاب مالك أنه لو رأى الإمام أن جيش المسلمين بحاجة ماسة للمال ولا يوجد مورد فله أن يجمع من الناس لهذا الغرض ، وطبعاً هذا الإجتهاد تم تحريفه أيام كهنة معبد آمون في عصر المخلوع السابق ليجيز لهم فرض الضرائب والجمارك والجبايات من الناس وسحقهم بها ، فالزكاة هي مصدر من مصادر بيت مال المسلمين الاجبارية ولايوجد أي التزام مالي على الناس بعدها وعلى الحاكم بعد جمعها إعادة تدوير الأموال في المجتمع بما يحفظ على الناس جميعاً حد الكفاية وهو حد الرفاهية المعقول من تأمين وسائل مواصلات انسانية إلى تدبير خدمات عامة انسانية إلى آخره وطبعاً ليست الزكاة هي المصدر الوحيد للأموال فهناك مصادر الدولة الطبيعية نفسها وهناك الاستثمارات العامة وهناك ما يؤديه المسلمون كهبات دون الفريضة ، وعلى الحاكم إعادة ضخ المصادر داخل المجتمع مع مراعاة البعد الثاني تماماً وهو الربا المحرم لأن الربا يهدم الأصل الأول وهو إعادة ضخ الأموال في المجتمع بدون أية أعباء والربا يحمل المجتمع والأفراد أعباء رهيبة تتراكم لتفسد منظومة إعادة ضخ الأموال في المجتمع وتعيد تركيزها في يد صاحب المال مرة أخرى عن طريق خدمات الديون وهو الفوائد المحرمة 
وللتوضيح مثلاً يوجد لدينا حالياً أزمة اقتصادية بسبب الثورة نتج عنها احتياج شديد للأموال وكالعادة لجأت الحكومة للاقتراض بفوائد محرمة وكالعادة زادت أعباء الانفاق الحكومي نظراً لظروف مواجهة الاضرابات الفئوية والاعتصامات بتلبية الاحتياجات المالية للناس وهو ما نتج عنه التوسع في الانفاق والدعم وسد العجز بالدين الداخلي والخارجي المحمل بالفوائد وبالنظر للأمر نجد أن من يتحمل العبء ليست الحكومة بل الشعب الذي زاد دخله بصورة وهمية تلاها مباشرة وصول الاعباء الخاصة بالديون لمرحلة الضغط على العملة المحلية لأن الديون يشترط للحصول عليها تعويم الجنيه المصري وتركه لقوى العرض والطلب فتقل قيمته وتزيد اسعار الاستيراد وتزيد أسعار السلع وهكذا يصبح المتضرر هو الشعب وتغرق الحكومة في خدمة دين كبيرة لاتقدر على سداد الالتزام المطلوب فتزيد التبعية للدائن ونعاني من الاحتلال الاقتصادي 
وهنا تبرز قيمة النظرة الاسلامية التي لاتحمل الفرد ولا المجتمع أية أعباء فمصادر الدخل بها كافية لمواجهة أية أعباء وتفيض عن الحاجة فالزكاة والمصادر الطبيعية والمعاملات غير الربوية مع البلاد الاسلامية المشتركه في نفس المنظومة كفيلة بحل أية مشاكل ناجمة حلاً داخلياً بعيداً عن كل الحلول المعتادة التي تؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة , فالتكامل مع البلاد الإسلامية بتعامل شرعي غير ربوي قائم على تبادل المصالح واعطاء الامتيازات أوحتى على القروض الحسنه كفيل بتحقيق الإكتفاء الذاتي للمجتمع المسلم 
لذلك فلايمكن حل أية أزمة اقتصادية حلا حذرياً بعيداً عن تلك المنظومة التي تكفل إعادة ضخ وتدوير الأموال داخل المجتمعات الإسلامية بدون أية أعباء إضافية في إطار معاملات شرعية جائزة 
تلك هي القاعدة الإقتصادية الذهبية التي يجب تطبيقها للخروج من الازمة 

وطبعاً لايمكن تطبيق هذه القاعدة بمفردها فهي لن تعمل في ظل وجود نظام غير اسلامي بل قد تؤدي لنتائج عكسيه أحياناً لعملها خارج البيئة المناسبة ، فمثلاً لايمكن تطبيق تلك القاعدة في ظل وجود فساد وسرقات وخيانة أمانة لذلك تجد أن النظام يحمي نفسه بوضع عقوبات رادعة للمخالف وقد سبق التنويه عليها في محلها وكذلك لايمكن تطبيق القاعدة في ظل تهرب الناس من أداء الزكاة لذلك يجب توعية الناس على المستويين المعنوي والمالي بضرورة أداءها وردعهم في التجاوز (انظر حرب الصديق أبوبكر لمانعي الزكاة في حروب الردة ) وذلك لضمان عدم استفادة شريحة بالتهرب أو بالمحاباة والواسطة على حساب باقي المجتمع  , 

لذلك فعندما ننادي بحكم اسلامي او مرشح اسلامي لايكون ذلك من فراغ ولايمكن أن يكون أي شخص يصلح لتلك المهمة الخطرة ولكننا نبحث عن من يصلح لدفع السفينة إلى الماء لكي تعمل المنظومة ككل وليست في اتجاه ما لمصلحة فصيل أو أفراد بعينهم 

الإسلام  والاجتماع 
يتبع

هناك 6 تعليقات:

شمس النهار يقول...

حمد الله علي السلامة

لااعتقد ان ممكن مسلم يكون ضد الاسلام

ولكن هل تعتقد ان اللي في الساحة الان يخدموا فعلا الاسلام
وهل هم علي وعي كامل بكل الابعاد اللي في السبع تدوينات؟

خالتى بمبة يقول...

تعجبنى مقولة الشيخ الشعراوى (اتمنى ان يصل الدين الى اهل السياسة ولا اتمنى ان يصل اهل الدين الى السياسة)لان السياسي المحنك لما يكون متدين يفيد في الناحيتين لكن رجل الدين لو انشغل بالسياسة هيفقد دوره كداعي

تامر علي يقول...

شمس النهار

سلمكم الله من كل سوء :)

أكيد ممكن مسلم يكون ضد الإسلام بل إن أكثر الناس عداوة للإسلام هم من المتسمين بأسمائنا والشواهد أكثر من أن تعد

أكيد يوجد الكثير والكثير ممن لديهم الوعي الكافي والكامل بأبعاد الموقف ولكن المشكلة تكمن في القدرة على العرض الجيد بالإضافة للقدرة على المناورة السياسية وهي فعلاً من الصعوبة بمكان
تحياتي

تامر علي يقول...

خالتى بمبة

اسم جميل بيفكرني بأيام الطفولة والصبا :))

والله لايمكن للمسلم أن لايكون ملماً بأمور الحياة كلها وليست السياسة فقط ولكن ليس من المطلوب من العلماء أبداً أن يشتغلوا بالعمل السياسي فدورهم أخطر بكثير وهو تقويم من يعملون بالسياسية
وكما قالت خالتي بمبه يا "عيني عليه" :))

فتــافيت (رحاب الخضري) يقول...

حمد لله ع السلامة يا فندم
7 من 27 مش فارقة كتير،،
دي كلها 2 بس :))

البوست رائع جدا جدا
هاشيره على الفيس،، وفي جروب المدونين
وهاعمل انفيت كمان له :)

Unknown يقول...

السلام عليكم

أولا: ممتاز أخي تامر أن تعرض فكرة شمولية المنظومة الإسلامية.. لأن معظم الأنظمة التي تسود العالم والتي جربتها حكوماتنا هي أنظمة تطرق على جانب أو أكثر من حياة الإنسان (تداعب حاجة معينة لفئة معينة) على حساب بقية الجوانب...

ثانيا: جميل جدا ومهم جدا أن تعرض هذه الحقائق الكلية مع أمثلة تمس الشخص العادي تماما، فهذا أكبر ما يساعده على الفهم، ويزيل مفاهيمه الخاطئة نحو شريعته التي علموه طويلا أن تطبيقها يعني (تقطيع الأيدي)!!!!!

فمثلا من أجمل ما سمعته من مرشح إسلامي لمجلس الشعب (منذ حوالي 17 سنة تقريبا) وكان يخاطب عواما.. كان يشرح لهم يعني إيه تطبيق الشريعة، فقال: يعني لو إنت صاحب تاكسي والتاكسي عطل، ومش قادر تصلحه، الدولة ملزمة تصلحه ليك، لأن المصلحة من عدم جلوسك عاطلا أكبر من تكاليف تصليح التاكسي. هذا مثال بسيط يمكن تحويره لكل فئة.

بمعنى أن المواطن البسيط يريد معرفة الفائدة المباشرة التي ستعود عليه من تطبيق الشريعة.

تحياتي أخي الكريم.

استمر موفقا بإذن الله.