السبت، يونيو 04، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 3



كنا قد وصلنا حتى الركيزة الرابعة من الركائز الخمس التي يتضح بها قوام المجتمع  في المشروع الاسلامي وهي حماية الانساب والأعراض وفي هذه الركيزة يضمن الشارع للفرد المسلم النشوء في مجتمع يحترمه ويضمن له حياة كريمة في ظل نظام أسري طبيعي في علاقة سوية بينه وبين المجتمع فيمنع العبث بالأعراض تماماً ويضع عليها حد الزنا الذي تتراوح شدته بين الجلد في حالة عدم الإحصان  وهي للتي لم يسبق له الزواج الصحيح والرجم للمتزوج أو من سبق له الزواج الصحيح حيث يؤدي ذلك إلى صيانة الأنساب من الفوضى التي تعيشها المجتمعات الأخرى بحيث يصبح الفرد غير منتم لأسرة وبالتالي لايربطه بالمجتمع سوى مصالحه الشخصية بالاضافة إلى استمرار المجتمع داخل منظومة الزواج الشرعي وعدم اللجوء إلى البدائل غير الشرعية التي من شأنها أن تؤدي اضمحلال السكان كما يحدث في اوروبا التي تناقصت منظومة الزواج بها وبالتالي السكان ,  وكذلك قيم الأسرة حتى باتت مهددة لاستمرارية المجتمع وهو من أشد الأخطار التي تتعرض لها المجتمعات الأوروبية في الوقت الراهن , هذا بالإضافة إلى منع التعدي على الأجيال القادمة وحفظ حقها في الحياة أو في الوجود داخل منظومة تضمن له حياة كريمة باعتباره فرد شرعي وليس مجرد نبتة شيطانية منبوذه , وطبعاً هذا الحد يثير أرتيكاريا مزمنة لدى الداعين للحريات باعتباره مقيد للحريات الفردية للمرأة وضد حريتها في امتلاك جسدها كما يزعمون وضد حقها في الاجهاض وضد حقها في ممارسة الحياة التي تريد بالشكل الذي تريد وذلك ما هو إلا تقنين للعهر الاجتماعي ولايحتاج إلى رد فهو شيء تأباه الفطرة السليمة وواضح للعيان الغرض منه ومن خلفه 

ثم نأتي على الركيزة الأخيرة والتي تمثل حجر الزاوية في أي منظومة إجتماعية وهي حفظ الأموال ولها نوعين من انواع الروادع وهي حالة تستحق التأمل الطويل فالمعلوم أن النظام الاقتصادي الاسلامي يقوم على ركيزتين أساسيتين هما منظومة الزكاة كمصدر ايجابي ومنظومة الربا وأحكامه كمصدر سلبي والمتأمل يجد أن الحد لم يوضع على تارك الزكاة وهو ذنب هائل ولا على مرتكب الربا وهو قد توعده الله بالحرب ولكنه وضع على ذنب أقل منهما وهو السرقة وقد اكتفى الشارع بالزواجر المعنوية واعتبار ترك الزكاة أو ممارسة الربا من الكبائر المهددة لقوام الإسلام للذي يمارسها في حين وضح حد القطع على السارق وهو أقل من سابقيه لما فيه من تعد مباشر وصريح على حقوق العباد وسلب مقدراتهم والإضرار المادي الآني المترتب على السرقة بكل اشكالها ونحن نعايش الآن ويلات النهب والسرقة في الفترة الحالية ,  أما منع الزكاه مثلاً فيعاقب عليها مانعها أمام الله بأشد انواع العذاب يوم القيامه ولكن المنظومة مستمره في الدنيا لأن المجموع يؤدي الزكاة ويستكمل النقص بالصدقات مثلاً أو حتى في حالة منع المجموع لزكواتهم فإن العقوبة تكون جماعية بأن يسلط طبقات المجتمع على بعضه فيحدث خلل اقتصادي واجتماعي معاً حتى يرجع الناس للأصل  , وكذلك في حال الدخول في المنظومة الربوية بشكل فردي يكون العقاب بشكل فردي وإن كانت الممارسات عامة فإن ذلك يؤدي لخلل المنظومة الاقتصادية وعقاب المجتمع بشكل جماعي بالكوارث الاقتصادية وفترات الكساد وتركز رأس المال في يد مجموعة تستغل باقي المجتمع أسوء استغلال ممكن لتنمية ثرواتهم على حساب المجتمع ككل ولا ترحم الباقي كنوع من العقوبة العامة كما يحدث في الكثير من المشاهدات الحالية لذلك كان العقاب على السرقة اشد لأنها سطو على ثمار وناتج عمل وجهد المجتمع والأفراد وهي حقوق العباد أما منظومة الزكاة والربا فالضرر وإن كان أشد إلا أنه يحتاج لدورات زمنية ويمكن الاصلاح داخل هذه الدورات وتصحيح المسيرة أما السرقة فلالأنها تؤدي إلى خراب المنظومة كما تفعل الآفات بالزروع والثمار
********
من الملاحظ على المدخل السابق أنه يحدد أسس البناء النظري لحدود المجتمع الآمن من جميع الجهات وتشمل الحدود الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية , ومن الملاحظ أن التطبيق العملي لهذا البناء في صدر الإسلام لم يكن بهذا الترتيب بل على العكس منه فقد قام النبي الكريم بنقل المجتمع تدريجياً من مجتمع بلا قيم معنوية واضحة إلى منظومة قيم معنوية واضحة ومن مجتمع بلا أعراف اقتصادية ونظام مالي إلى مجتمع له أسس اقتصادية عامة ومعلومة الحدود ومن مجتمع نكرة سياسياً وسط قوى عظمى لاتعيره أي اهتمام ولا تضع له أي وزن وكانت تتمثل في الفرس والروم إلى مجتمع له نظرة سياسية ومستقبل واضح ومعدلات نمو مضطرده وصلت إلى أن ورث هذا النظام جميع أنظمة العالم بكل اطيافها وفرض رؤيته الخاصة على الأرض كلها بعد فترة قصيرة .. والدرس المستفاد من التجربة التاريخية للرسول في صدر الاسلام هو وضع رؤية واضحة  يكون الاساس الواضح لها هو معرفة ما نحن عليه أولاً وأين نقف ثم الشروع في وضع برنامج زمني محدد طبقاً للرؤية السابقة في الأساس النظري لتفعيل هذا النظام وتشغيله بشكل كامل وهذا لا يتأتى بالطبع إ لا بعد مقدمات ضرورية وتوطئة للأفهام العامة واستغراق شديد في فهم الواقع الذي نريد أن ننزل عليه تلك المنظومة المتكاملة حتى لايؤدي الانزال الخاطىء للأسس في خلل اجتماعي ... واستحضر هنا قول الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز لابنه حين طلب منه أن يحمل الناس على منظومة الدين وشرع الله جملة واحدة لتعويض بعض الانتهاكات السابقة للحكام فقال كلمته الشهيرة " أخشى أن أحمل الناس على شرع الله جملة واحدة فيدعوه جملة واحده " أي أن نقل الناس إلى النظام المتكامل بلا مقدمات يمكن أن يؤدي بمجموع الناس إلى رفض ولفظ النظام بالكامل كنوع من أنواع الدفاع النفسي ضد التغيير الكامل لذلك نجد الرسول الكريم في صدر الاسلام يتدرج بالناس في كافة الاحكام حتى الصلاة فقد كان من المسموح فيها في صدر الاسلام أن يكلم المصلى أحد المارة مثلاً أثناء الصلاة ثم منع ذلك تدريجياً وكذلك قائمة المحرمات نزلت تدريجياً على مدار 23 سنة كاملة وتأمل هنا قول السيدة عائشة أم المؤمنين 
""إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام..
ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندع الخمر أبدا ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا..
لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده 
أي أنها تقول أن أول ما نزل من القرآن سور المفصل أي قصار الصور التي فيها ذكر الجنة والنار وترسيخ العقائد في جمل ومقتطفات قصيرة جداً ترسخ في وجدان الناس عظمة الإله وتحضهم على طاعته ثم إذا ما استقر الأمر في المدينة بدء الحلال والحرام في النزول تدريجياً وتقول لو أن أول ما نزل  هو أول ما يقرأ (البقرة والنساء في ترتيب المصحف يعني ) لقال الناس لاندع الخمر ولا ندع الزنا لأنهم حديثي عهد بالاسلام ولا يطيقون التكاليف 
هذه هي قمة السياسة الداخلية للمتأمل فالأحكام جاهزة ومعروفة ولكن انزالها على الواقع يتطلب مراعاة لحال المتلقي ففي مجتمع حديث عهد بالفساد والرشوة والغش التجاري وحديث عهد بصعوبة الزواج وانتشار العهر والانحلال وحديث عقد بالفقر والجهل  والمرض كل ذلك يتطلب أن يكون هناك منظومة سياسة داخلية محكمة لنقل المجتمع على المستوى الفكري والعملي إلى فهم تطبيقات المشروع الإسلامي قبل الشروع في التطبيق كما فعل النبي والخلفاء من بعده 

هكذا نكون قد انتهينا من المدخل الأساسي للمشروع الاسلامي ككل وفي الجزء القادم لن نقوم بالدخول في كامل المشروع لأن ذلك قد يستغرق الكثير من الوقت لكن سنركز على الركائز السياسية في المشروع حتى يتسنى لنا فهم حقيقة ما يدور على أرض الواقع في المرحلة الانتقالية السياسية التي نعيشها وما هو دور المشروع الاسلامي في تلك المرحلة 

ملحوظة : يجب قراءة تعريف جيد للاتجاه الليبرالي والاتجاه الشيوعي وتفريعاته اليسارية والاشتراكية وكذلك الاتجاه القومي السياسي كالناصرية قبل الدخول في الجزء القادم حتى نفهم توجهات المخالف فهماً صحيحاً لمعرفة أوجه الاتفاق والاختلاف معه في المرحلة الحالية ياريت نحضر الموضوع :)

هناك 11 تعليقًا:

فتــافيت (رحاب الخضري) يقول...

ايه ده احنا هانحضر كمان
لا ما تفقناش على كده بقى ... :))

جميل جدا الكلام ده.. كالعادة يعني ^_*

(أخشى أن أحمل الناس على شرع الله جملة واحدة فيدعوه جملة واحده)

وهو ده مربط الفرس.. وده اللي بيحصل دلوقتي.. ناس مش مستنية يتنقلوا وبعدين يتركوا لا هم اعترضوا وحاربوا من دلوقتي،!
منتظرة الباقي بفارغ الصبر.. :)

ملحوظة على الهامش.. ممكن تكون تافهة
بس بجد بتضايق العين.. :|
حضرتك بتعمل الفاصلة كده , .. ودي الكومة بالانجليزية.. الفاصلة العربي كده ، ....... shift + ن
لما بتكون الفاصلة انجليزي والكلام عربي.. عيني بتتشتت.. ممكن ما تكونش مؤثرة عند الباقي،،، بس أنا محتاجة كل تركيزي في بوستاتك يا فندم :)
والله الموفق والمستعان

تامر علي يقول...

فتافيت

ايوه لازم نحضر ارواح :)

بالنسبة للفاصلة طبعاً مش تافهة ابداً دي شيء أساسي في علامات الترقيم والإملاء ،،،،، :)))
انا تدربت عليها اهه علشان اعملها بعد كده وشكراً جزيلاً على المعلومة

تحياتي والله الموفق والمستعان على رأي عمر سليمان :)

Unknown يقول...

السلام عليكم

ماشي معاك يا تامر..

* عجبتني اللفتة القيمة لوجود حد السرقة وعدم وجود حد لترك الزكاة أو إتيان الربا..

* إشادة وتأكيد على أهمية سنة (التدرج في التغيير).. والأمثلة كثيرة كثيرة..

يحضرني هنا (من باب إثراء الموضوع بأمثلة واقعية من عصرنا).. عندما كان "الطيب أردوغان" عمدة بلدية أنقرة [أثناء ائتلاف "أربكان" الإسلامي مع "تانسو تشيلر" العلمانية 1997م] لم يلغي "أردوغان" بيوت الدعارة.. بل قام بعمل مشاريع لتشغيل المومسات، وقدم تسهيلات لمن يتزوجهم من فقراء العمال.. ولم يتصور أحد العدد الكبير الذي فر من الدعارة إلى الحياة النظيفة.. فكان من أغرب ما غاظ أعداء المشروع الإسلامي..!!

تحياتي.

Unknown يقول...

أخت رحاب..

يا سلاااااااام؟!! هو اللي تعبك الفاصلة، ومش تاعبك ورقتين الشجر اللي مجننيني ومغطيين على الكلام.. لأ وبينزلوا معايا كمان ومش عارف أهشهم....!!!!

الكلام ليك يا جار.

Unknown يقول...

like


بس اللي يكرمك قص ورقتين الشجر دول علشان بينزلوا على عيني :)

تامر علي يقول...

ماجد القاضي
هههههه ماشي يا باشا هشوف واحد جنايني يقص الشجر حاضر :)

شكراً على المتابعة واثراء الموضوع بملاحظاتك القيمة .. وفعلاً يجب دراسة التجارب السياسية للاتجاهات الاسلامية في العصر الحديث مثل التجربة التركية والبوسنيه والماليزية

تحياتي وتقديري:)

تامر علي يقول...

واحد من الناس

خلاص بما ان الموضوع ده بقا مطلب شعبي خلاص هشوف واحد جنيني يقصم حالاً :)

شمس النهار يقول...

تصفيق حااااااااااااد

بس يعني لو سمحت لو مايضيقكش يعني
:))

ياااااااااريت التعريفات اللي قلت عليها نحضرها دي
ياريت زي مالخصت وبسطت كده في الصعب
ياريت ينوبك ثواب يعني

تلخصها وتبسطها علشان ننشرها هنا وهناك
علشان اللي مايعرفش يعرف
وخصوصا ان اسلوبك مافيهوش كلام مكلكع وسهل وبسيط
يعني لما الشغالة اللي معايا تسألني يعني ايه ربلاليه دي اللي بيقولوا عليها عيب وان شاء الله هكتب بوست عن الموضوع ده:)))
تصدق حاولت اشرح لها بس الحمد لله نجحت اني اعرفها انها مش عيب
:)))
يبقا لازم امسك في عرض قلمك انك تكتب عن الكلمات الجديدة اللي بسطاء الناس ابتدوا يسمعوها
والغريب ان اصحابها مابيرحوش يعملوا مؤتمرات غير في الجامعات
ماتروحوا للناس في القري والنجوع
ماعلينا
مستنيييييين ان شاء الله وعلي بركة الله السلسلة الذهبية اللي هتلخص فيها المواضيع المموضعة بتاعت اليومين دول
مواااااااااااافقة
:)))))))
شكراااا ليك

تامر علي يقول...

شمس النهار

طبعاً يا فندم انا هعمل كده اكيد بس طبعاً مش هينفع اغطيها كلها فهلخصها لكن لو في قراءة سابقة هيكون احسن كتير :))

وبالنسبة للشغاله حاضر هعملها حاجه تبسطها ان شاء الله ههههههههههههه

منواراني دايماً والله حضرتك :)

تحياتي وتقديري

فتــافيت (رحاب الخضري) يقول...

هههههههههههههههههه
ايه ده انت حلقت للمدونة أمته؟؟ :))

أخ ماجد
والله انا أصلا بكره اللون الأخضر
وكنت فاكرة إن ورق الشجر مضايقني انا بس.. كنوع من الضغينة اللي جوايا لاي شيء اخضر سواء حي او جماد :))

لكن الظاهر ان الحمد لله.. كان مطلب شعبي
وعاجبني في الأخ تامر .. إنه نفذ المطالب

انا عندي الناس بقالهم سنتين ونص من عمر فتافيت.. بيطالبوا بلون تاني غير الاسود.. وأنا لا أرى لا أسمع .. لا أنفذ :)))

بس كده البلوج بجد أحلى كتـــــــير
أشيك في التصميم.. وأسهل للقراءة

ستيتة يقول...

أنا وقفت لحد هنا
اكمل بكرة ان كان في العمر بقية

مؤكد ان مش عاوز تسمع رأيي في الكلام الكبير ده:)
رائع
اكثر من رائع
خرج منك بإخلاص فوصل لقلوب الناس

تحياتي وربنا يكرمنا بمصحح المفاهيم ومصحصح البني آدمين

وجميلة تعليقات ماجد القاضي على البوستات
قيمة جدا
له تحياتي

ملحوسة: بي إس بالإنكليزية:
هل انضممت لحزب من الشوال اللي نازل في سوق علف المجالس النيابية؟
ولا انت حر ؟
افيدونا اكرمكم الله