زرقاء اليمامة .. كانت حصناً منيعاً لقومها , كم منعت عنهم غارات العدو وصولات الغزاة وبطش الطغاة .. سر القوة الكامن في زرقة عينيها التي تبصر المسافر على مسيرة الليالي الطوال .. كانت دائماً تخبر قومها عن من غاب ومن سيأتي ومن يترقب ومن يتربص ومن يحاول الغدر ومن سيقدم من الأحباب ومن سيداهم من الأعداء ... ذاع صيتها بين القبائل حتى صارت مضرب الأمثال بين الناس في حدة البصر وصدق القول ورجاحة العقل .. ولكن كعادة الأيام التي لاتتغير تأتي الريح بما لاتشتهي السفن .. يلجأ العدو إلى الحيلة ويقرر القائد مراوغة عيني الزرقاء حتى يكذبها قومها .. تلك هي عادة القوم دائماً ما يكذبون حتى الأنبياء .. فما بالنا بامرأة مهما بلغ قدرها ... أبصرتهم كعادتها .. هرعت إلى قومها كعادتها تحذرهم .. ماذا تبصرين يا زرقاء العينين ؟؟ قالت بصدقها المعهود .. أرى شجراً يتحرك نحونا... ضحك قومها منها ... لم ينظروا إلى تاريخها الناصع ولا إلى رجاحة عقلها المعهودة ولا إلى ما وراء الكلمات ... كاد القلق يقتلها... تتطلع إلى الأفق من جديد .. تتضح الصورة أكثر ... رجال تحت شجر يتحرك... تهرع إلى قومها من جديد ... رجال تحت شجر يتحرك... ازدادت ضحكات الرجال وظهر في الأفق من ينادي بانتهاء اسطورتها وانزواء موهبتها واضمحلال عقلها ... لقد فقدت زرقاء العينين صوابها ... تلك هي عادة النابهين... هكذا تردد في الحي ... جلست هناك على التل ترقب القادمين في عجز تام تتجرع مرارة التكذيب وشؤم ماتحمله الأيام من الهوان ... وبعد ثلاثة أيام أتي القادمون بالويل والثبور .. جيش عظيم يصول ويجول في أرجاء اليمامة يقتل الرجال .. ويسبي النساء ويحرق ويقتل ويخرب الديار .. وبعد قليل ظفروا بالزرقاء وعلموا بأنها مصدر قوة قومها ..فقأوا عينيها وتركوها لمرارة القهر وذل الهزيمة وعناء التكذيب .. مرت الأيام ولم تسأل الزرقاء أي أسئلة .. عن ما كان ولا من تسبب لها ولقومها في الهوان .. وانطلق القائل ينادي في الحي .. ما زال هناك أمل في أن نعيد للزرقاء عينيها ... فلنذهب إلى الكهان والعرافين .. فلنذهب إلى اليمن وإلى الأحباش وإلى آخر البلاد بها علنا نجد لها العلاج .. أخذوها وذهبوا في طلب العلاج ... ذهبت معهم من غير كلام ... وفي الطريق .. سألها سائل .... يا زرقاء .. لو عادت لك عيناك ... هل ستعلمين من وشى بالقوم ودل عليهم الأعداء .. أجابت وقد قفدت نور البصر وحدة الزكاء ... نعم ... في اليوم التالي كان وقع الأقدام أقل ... والأصوات في الجوار أخفت .... في الطريق سألها سائل ... يا زرقاء .. هل لو عادت لك عيناك ستدلين على من أرشد الأعداء إلى دروب القوم وأسرارهم ... قالت وقد فقدت بقايا العقل والضياء ... نعم ... في الصباح كانت الخطوات أقل من خلفها والأصوات تواصل الخفوت.... واصلت المسير ... ثم أتاها السائل ... لو عاد إليك بصرك .. هل ستتعرفين على من دل الأعداء عليك ووشى بك ؟ قالت وقد ذهب عنها نور الصباح وتخبطت في حالك الأمسيات ... نعم... ثم في الصباح استيقظت الزرقاء وحيدة في صحراء الوهم في بلاد غريبة لم تعلم اين هي ولا أين قومها ؟ ولا مع من ذهبت ولا كيف ستعود ؟قضت بقايا أيامها وحيدة في صحراء الغيوم غير عابئة بمن خان ولا من غدر ولا من تخلى فقد ظلت اسطورتها تحكيها الصحراء كما كانت آخر وصايا الزرقاء لها ... بقي ذكرها وحدها وغاب ذكر من خان ومن باع ومن غدر تحت رمال الصحراء كما وصتها الزرقاء.
هناك 20 تعليقًا:
كل سنة وانت بخير
ورمضان كريم
مؤكد انت مش مستني منا رد
كله ها يكون تحصيل حاصل
مع روعة السرد
وقيمة الحقيقة
وروعة الخيال
ومرارة المعنى
كل عام وانت بخير
للاسف نفس الامر يتكرر بشكل متجدد وفي صور مختلفة فنحن للاسف لانستفيد من دروس التاريخ نسمعها نستمتع بها لكن لا نستخلص العبر ابدا
دمت بود
السلام عليكم استاذ تامر
كنت مشتاقة اقرا لحضرتك
كتابات حضرتك مينفعش يتعلق عليها والله من روعتها
اذا كانت زرقاء اليمامة كذبت فالرسول صلى الله عليه وسلم كذبته قومه بعد ما ماكانوا اطلقوا عليه الصادق الامين
كل سنة وحضرتك طيب ورمضان كريم
عود احمد .. حمدلله بالسلامه تعيش وتختفي
قرأت قصة زرقاء اليمامة هنا وكأني أقرأها لأول مرة
بقي ذكرها وحدها وغاب ذكر من خان ومن باع ومن غدر تحت رمال الصحراء كما وصتها الزرقاء.
أما هذه الحقيقة فأنا أعيها تماما ولكن وأنا أقرأها هنا أحسست أني أعرفها لأول مرة
السرد أكثر من رائع تحياتي
ومن امته بس بنتعلم ولا بنفهم
هو لو احنا كنا بنعقل اخطاء الاولين.. كان ده بقى حالنا
احنا بعون الله نغلط الغلط.. مليون مرة ورا بعض.. امال هي العشرة تهون برضو
صباحك فل يا تامر باشا :)
حازم النبراوي
كل سنة وانت واحبابك في تمام الصحة والعافية ... منور القنوات الفضائية كلها :)
الله أكرم :)
ستيتة حسب الله الحمش
ازاي بس يافندم ردكم هو وسام على صدر أي شخص في المنطقة البلوجرية جمعاء وما هذا إلا نقطة في بحركم يافندم :)
كل عام وانتم جميعاً في تمام الصحة والعافية
خواطر شابة
مهما تكرر الأمر ومهما تكررت الأخطاء فلازال هناك أمل من استخلاص العبرة وتعلم الدرس وما أشبه الليلة بالبارحة :)
تحياتي وتقديري :)
احاسيس آيوشه
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الروعة في التذوق والتلقي أكثر من مجرد السرد :) وتعليقكم هو شرف لاينكره عاقل
من المؤكد أن الحكاية تتكرر والمهم ألا ننسى
كل عام وأنتم ةالأسرة الكريمة في أتم الصحة والعافية ورمضان كريم لكم وللمسلمين أجمعين
إيمان
في واحد صحبي اسمه أحمد فعلاً :)
مفيش اختفاء ولا حاجه يافندم دي مجرد استراحه ليكم من ثرثرتي :)
قصة حمراء الحمامه قصدي زرقاء اليمامة قصه كلها عبر ومعاميع بس مين يستمخمخ :))
فتافيت
فعلاً العشره متهونش الا على ابن الجيران :)
بس برضو لازم نحاول نستفيد من اخطاء الآخرين مع العلم اننا مش بنغلط أبداً بس برضو اهو شيء للعلم فقط :)
صباح جديد لانج :)
تحياتي
ازيك يا أستاذنا
حضرتك عامل إيه؟؟؟
نمرتك تاهت من عندي
نفسي جناب معاليك تتصل بيا بس علشان أعرف نمرة سيادتك
والله واحشتني
ونفسي أشوفك
د. ياسر عمر عبد الفتاح
لأهو انت اللي استاذنا :)
يا باشا انت اكتر ونمرتك لسه معايا وسأتصل بك :)
تحياتي :)
السلام عليكم
أكثر من رائعة هذه الكلمات وهذا الأسلوب ،
جزاك الله خيرا
كل عام وانت والأسرة الكريمة بكل خير
لا تنسانا يا عمنا في الدعاء
ملحوظة : عمنا لغة مجازية غير مقصود بها اطلاقا العمر :)
كل سنة وحضرتك طيب يااستاذ تامر ورمضان كريم عليك وعلى اسرتك الكريمة
مهندس حياتي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزيت خيراً وأكلت طيراً :)
ومرحباً بك دائماً
د/ستيتة حسب الله الحمش
كل عام وانتم بخير وجميع الأهل والأصدقاء والأحباب بخير وصحة وعافية
متفكرنيش يا دكتورة بالعمر علشان حاسس اني خلاص هصحى الاقي نفسي 80 سنة
هيييييه دنيااا
احاسيس آيوشه
كل سنة وانتم بخير وأعاده الله علينا واياكم بالخير والبركة والخشاف وقمر الدين والبلح الجيد :)
تحياتي )
إرسال تعليق