السبت، مارس 31، 2012

نظرة في الأحداث الحالية



في محاولة بائسة لفهم وتحليل ما يحدث الآن في المحروسة يحتاج المرء إلى أكثر من مجرد جمع المعلومات ومحاولة استقراء الأفعال وردود الأفعال ، يحتاج المرء إلى فهم جيد للتاريخ الحديث لمصر جيداً حتى يفهم ما يدور في الظاهر وما يدور في الخلفية بعيداً عن الأعين وكذلك التاريخ البعيد لكل الفرق الممثلة على الساحة التي يدور بينها حالياً حوار الطرشان ولم يتمكنوا من الإتفاق على صيغة الحوار فضلاً عن بدء هذا الحوار أصلاً 
ولعل أكثر ما يثير الجدل في الوقت الراهن هو موقف الأسلاميون من هذه المرحلة الإنتقالية الحرجة التي تمر بها مصر ، 

والأسلاميون كالعادة لكل من يعرفهم عن قرب  يتمثلوا في الإخوان المسلمين والسلفيين وما عداهما ليس له دور يذكر على الساحة ، ومع تصاعد حدة الانتقادات الموجهة للإخوان المسلمين بسبب الأداء غير المرضي في مجلسي الشعب والشورى وبسبب الموقف من الجمعية التأسيسية للدستور وفرض هيمنة الجماعة عليها وبسبب التبعية الواضحة لحزب النور لاتجاهات الإخوان السياسية باعتبارهم الفصيل الأكثر خبرة واحتسابهم كتيار عليه نفس الانتقادات السابقة بالاضافة لبعض المواقف الفردية كموقف أنف النائب البلكيمي وموقف تعليم اللغة الانجليزية  وجامعة القاهرة واعتبارها صنيعة الاستعمار وما إلى ذلك من مواقف تعكس الانتقادات فيمكن حصر الانتقادات فيما يلي:

الاخوان المسلمون جماعة مستأثرة بالسلطة التشريعية وتمارس ديكتاتورية الأغلبية 
الاخوان المسلمون يقومون بإقصاء باقي الفصائل السياسية عن ممارسة دورهم في المجلس ووضع الدستور
الاداء العام للاخوان المسلمين مخيب للامال وله صبغة الانبطاح في مواجهة العسكري 
السلفيون غير ناضجون سياسياً وغير مؤهلين لممارسة دور من له هذا التمثيل في البرلمان


وبتأمل الوضع بعاليه نجد الآتي :
افرزت الانتخابات البرلمانية فصيل سياسي اسلامي يمثل طموح العامة في إقامة مشروع اسلامي يقيم دولة العدل المفقودة في العصور السابقة ويقوم بدور الفارس في انتشال البلاد من حالة الانبطاح العام في مواجهة الامبريالية العالمية الممثلة في القوي الغربية والاسرائيلية بعد سنوات من التبعية والخذلان السياسي الفج على اعتبار أنه قد استقر في ذهن عوام الناس أنه لايمكن الحصول على مكاسب حقيقية من تلك القوى إلا باستعادة المشروع الحضاري القديم الذي كان بالفعل منافساً عتيداً لتلك القوى بل وأذاقها الأمرين في كتير من الحقب التاريخية التي كفلت للبلاد العزة والاستقلالية قبل الانهيار في العصر الحديث (هذا باختصار اسباب اختيار تيار اسلامي بغض النظر عن مقوماته الفعلية  فهو حلم قديم مستقر في وجدان العامة تتناقله الأجيال ولو على المستوي غير الواعي تعليمياً وثقافياً )

اصطدمت القوى المنتخبة والممثلة للتيار الاسلامي بواقع له أبعاد فعلية تتطلب تغيير ما استقر في مرجعيات تلك الجماعات ، فمثلاً جماعة الاخوان جماعة تعتمد مبدأ الإصلاح في التعامل الشامل مع كافة الأمور ومبدأ الإصلاح لايؤتي ثماره إلا في ظل بيئة  لا يغلب عليها الفساد كوضعنا الحالي ولكن الجماعة لم تطور اسلوب التعامل مع الواقع واعتمدت نفس المبدأ فكان من جراء ذلك أن انفصلت الجماعة عن الشارع في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد بأن اعتمدت مبدأ الإصلاح في مواقف لم يكن يصلح لها إلا المواجهة والانحياز الكامل للشارع والثورة ولكن هذا الانحياز مكلف جداً ويعتمد سياسة التصعيد التدريجي وهو ما لم يكن في مقدور الجماعة حينها لأن الخصم قد أعد المسرح لكلا الاحتمالين إما تصفية الثورة مثمثلة في مواجهة فردية مع الناشطين ولكنها جوفاء من المجموع الممثل في الشرعية البرلمانية ومحسومة العواقب ، وإما مواجهة تصاعدية مع (مخربين ) ينحاز لهم الإخوان في موقف ستتفرق فيه الكلمة بلا شك ولكن الخيار الثاني كان مستبعداً نظراً للطبيعة السابقة المعروفة مسبقاً المميزة للجماعة التي آثرت السلامة بمبررات مقبولة لديهم (هذا على افتراض حسن النية فالحكم على النوايا له حسابات اخرى على كل الأطراف)

أما السلفيون فهم ليسوا تنظيم ومرجعياتهم منحازة في مجموعها (للحفاظ على الدعوة) في شكل الانصياع للرئيس حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا وإن جلد ظهرك وأخذ مالك (واداك على قفاك كمان ) لذا فالمجموع مأمون العواقب دائماً ولنشكر الصدفة السعيدة التي أتت بنا لمرحلة التمكين (على طريقة أحمد زكي في فيلم معالي الوزير)

لذا فأداء الإخوان المسلمون لم يكن مفاجأة لي على الإطلاق وأنا قد انتخبتهم مع سبق الإصرار والترصد :) مع علمي بذلك لنفس الأسباب التي ستجعلني انتخب حازم صلاح ابو اسماعيل رئيساً للجمهورية (مع الفارق الشديد بين الاتجاه الفكري للجماعة وهذا الرجل الذي أعتقد فعلياً أنه أفضل المرشحين على واتفاقي مع مواقفه في معظم الأحداث)  وهي أن المشروع المتكامل المستقر في وجدان العامة والسابق الاشارة له لن يولد من رحم المجهول إلى القمة فهذه ليست سنة الله في كونه ولابد من المرور على مراحل لصهر وتكوين ذلك المشروع بحيث يصبح قابل للتنفيذ  على أرض الواقع وذلك لن يتأتى إلا بالدخول في حلبة الصراع والخطأ والتعلم من التجربة وإلا فالبديل هو التخلي عن المشروع باعتباره غير قابل للتطبيق في العصر الحديث والانخراط في محاولة تأسيس دولة لها كيان اقتصادي وسيادة سياسية أو حتى قوة نووية  وهو ممكن جداً كما هو حال بعض الدول ولكنها خالية من ذلك الحلم القديم الذي استقر في الوجدان عن مشروع حضاري لايمثله وجه متخلف لايعبأ ألا بالظاهر مع باطن مهلهل ولا يمثله وجه انتهازي ديكتاتوري يحكم باسم الدين ويدعي أنه ظل الله في الأرض ولكن يمثله عقل خرج من رحم التجربة بفهم الواقع وفهم مراد الله من استخلاف الانسان لينقذ الناس من النيران لا لينظم طابور المرور إلى النار 
وحين تاتي هذه اللحظة الفارقة .... سنحيا كراماً :))