الجمعة، يونيو 24، 2011

السياسة والمشروع الاسلامي 7



لفهم آليه عمل المشروع الاسلامي هناك عدة محاور اساسية يجب 
الإلمام بها ، ولعل أبرز هذه المحاور هي الفهم الشمولي للإسلام فالفهم الشمولي للإسلام لايتوقف أبداً على تطويع الإسلام ليناسب ثقافة ما أومرحلة تاريخية ما أو مكان ما ، فلعل أحد أهم وأعظم أسباب نجاح المشروع الإسلامي تتركز في كونه بيئة بها من المرونة تسمح لصاحبها بالحذف والإضافة والتجديد والتأصيل والابتكار والمحاكاة في نفس البيئة ، فهو من الغنى بحيث يسمح للإنسان بأن يطلق لاجتهاداته العنان ولكن بشرط وحيد وهو عدم المساس بالصالح العام ومقدرات المسلمين ، والاسلام ينطلق من كافة القواعد القيمية وليس لأحدها أي أهمية عن الأخرى فالمساواة قيمة أصيله ولكنها لاتقل أهمية عن قيمة العدل أو الحرية مثلاً 
لذلك فالمنظومة الإسلامية لايوجد بها تلك النظرة الأحادية التي قامت عليها التيارات ولايوجد بها ذلك الجمود الذي أدى إلى ترهل وتلاشي بعض الأفكار ولايوجد بها ذلك التسيب الذي ادى إلى اضمحلال بعض الحضارات ، ولكن هناك معادلة هامة جداً للبدء في تطبيق ذلك المشروع بنجاح فأنت لاتستطيع أن تحرك سفينة في الماء وإن كانت على أحدث طراز في التصميم والتجهيزات الملاحية مع إغفال أي من أساسيات النظم الملاحية وإن كانت بدائية وصغيرة 
لذلك فيجب على من سيقوم بالبدء في تطبيق المشروع الإسلامي أن تكون له "رؤية واضحة" للمشروع نفسه حتى لايتخبط في عثرات  الطريق ويسيء للاسلام ولنفسه وللمسلمين  ، ولفهم الجملة السابقة يجب إلقاء  الضوء على  معنى المفهوم الشمولي للإسلام وهو ما يتضح بالنظر لبعض جزءيات النظام 

الإسلام والإقتصاد 

كما سبق ونوهنا فالإسلام يطلق للفرد والمجتمع حرية الإدارة الكاملة للحياة ومنها البعد الإقتصادي بكافة اتجاهاته ولفهم معنى التطبيق السليم للمشروع الإسلامي وانعكاساته على الإقتصاد يجب أولاً إلقاء الضوء على الإطار العام للإقتصاد في ظل مشروع اسلامي شمولي 
وهذا الإطار مثلاً له ثلاثة أبعاد هامة جداً يضعها في عنق  الحاكم والمحكوم بحد سواء وتتمثل في إدارة المنظومة الإقتصادية مع مراعاة الإطار الفقهي الإقتصادي العام ويتمثل في جانب الزكاة بأبوابها واجتهاداتها وجانب الربا بمفاهيمة واصوله المتعارف عليها والبعد الثالث يتمثل في باب المعاملات وما يجوز فيها وما لايجوز 
فالأساس الإقتصادي الإسلامي الشمولي يقوم على عدم جباية أي أموال من المسلمين أو غير المسلمين تحت أي مسمى عدا أموال الزكاة وما يقابلها لدى غير المسلمين وهي الجزية وليس للحاكم أو غيره بعد ذلك  فرض أي إلتزام آخر على الناس سوى الرسوم الخدمية المتعارف عليها وتتسم بالضئالة الشديدة ، وأي أموال تفرض على الناس بخلاف ذلك تسمى المكوس وعقوبتها شديدة جداً حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى الرجل الذي كان يسب الغامدية التي زنت ورجمت بقولة "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " (مسلم)ولذلك لايوجد لدينا أية أنواع من الضرائب أو الجمارك أو أي فرض يفرض على الناس سوى الزكاة ومقابلها لغير المسلمين ، ولا يوجد سوى رأي وحيد لبعض أصحاب مالك أنه لو رأى الإمام أن جيش المسلمين بحاجة ماسة للمال ولا يوجد مورد فله أن يجمع من الناس لهذا الغرض ، وطبعاً هذا الإجتهاد تم تحريفه أيام كهنة معبد آمون في عصر المخلوع السابق ليجيز لهم فرض الضرائب والجمارك والجبايات من الناس وسحقهم بها ، فالزكاة هي مصدر من مصادر بيت مال المسلمين الاجبارية ولايوجد أي التزام مالي على الناس بعدها وعلى الحاكم بعد جمعها إعادة تدوير الأموال في المجتمع بما يحفظ على الناس جميعاً حد الكفاية وهو حد الرفاهية المعقول من تأمين وسائل مواصلات انسانية إلى تدبير خدمات عامة انسانية إلى آخره وطبعاً ليست الزكاة هي المصدر الوحيد للأموال فهناك مصادر الدولة الطبيعية نفسها وهناك الاستثمارات العامة وهناك ما يؤديه المسلمون كهبات دون الفريضة ، وعلى الحاكم إعادة ضخ المصادر داخل المجتمع مع مراعاة البعد الثاني تماماً وهو الربا المحرم لأن الربا يهدم الأصل الأول وهو إعادة ضخ الأموال في المجتمع بدون أية أعباء والربا يحمل المجتمع والأفراد أعباء رهيبة تتراكم لتفسد منظومة إعادة ضخ الأموال في المجتمع وتعيد تركيزها في يد صاحب المال مرة أخرى عن طريق خدمات الديون وهو الفوائد المحرمة 
وللتوضيح مثلاً يوجد لدينا حالياً أزمة اقتصادية بسبب الثورة نتج عنها احتياج شديد للأموال وكالعادة لجأت الحكومة للاقتراض بفوائد محرمة وكالعادة زادت أعباء الانفاق الحكومي نظراً لظروف مواجهة الاضرابات الفئوية والاعتصامات بتلبية الاحتياجات المالية للناس وهو ما نتج عنه التوسع في الانفاق والدعم وسد العجز بالدين الداخلي والخارجي المحمل بالفوائد وبالنظر للأمر نجد أن من يتحمل العبء ليست الحكومة بل الشعب الذي زاد دخله بصورة وهمية تلاها مباشرة وصول الاعباء الخاصة بالديون لمرحلة الضغط على العملة المحلية لأن الديون يشترط للحصول عليها تعويم الجنيه المصري وتركه لقوى العرض والطلب فتقل قيمته وتزيد اسعار الاستيراد وتزيد أسعار السلع وهكذا يصبح المتضرر هو الشعب وتغرق الحكومة في خدمة دين كبيرة لاتقدر على سداد الالتزام المطلوب فتزيد التبعية للدائن ونعاني من الاحتلال الاقتصادي 
وهنا تبرز قيمة النظرة الاسلامية التي لاتحمل الفرد ولا المجتمع أية أعباء فمصادر الدخل بها كافية لمواجهة أية أعباء وتفيض عن الحاجة فالزكاة والمصادر الطبيعية والمعاملات غير الربوية مع البلاد الاسلامية المشتركه في نفس المنظومة كفيلة بحل أية مشاكل ناجمة حلاً داخلياً بعيداً عن كل الحلول المعتادة التي تؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة , فالتكامل مع البلاد الإسلامية بتعامل شرعي غير ربوي قائم على تبادل المصالح واعطاء الامتيازات أوحتى على القروض الحسنه كفيل بتحقيق الإكتفاء الذاتي للمجتمع المسلم 
لذلك فلايمكن حل أية أزمة اقتصادية حلا حذرياً بعيداً عن تلك المنظومة التي تكفل إعادة ضخ وتدوير الأموال داخل المجتمعات الإسلامية بدون أية أعباء إضافية في إطار معاملات شرعية جائزة 
تلك هي القاعدة الإقتصادية الذهبية التي يجب تطبيقها للخروج من الازمة 

وطبعاً لايمكن تطبيق هذه القاعدة بمفردها فهي لن تعمل في ظل وجود نظام غير اسلامي بل قد تؤدي لنتائج عكسيه أحياناً لعملها خارج البيئة المناسبة ، فمثلاً لايمكن تطبيق تلك القاعدة في ظل وجود فساد وسرقات وخيانة أمانة لذلك تجد أن النظام يحمي نفسه بوضع عقوبات رادعة للمخالف وقد سبق التنويه عليها في محلها وكذلك لايمكن تطبيق القاعدة في ظل تهرب الناس من أداء الزكاة لذلك يجب توعية الناس على المستويين المعنوي والمالي بضرورة أداءها وردعهم في التجاوز (انظر حرب الصديق أبوبكر لمانعي الزكاة في حروب الردة ) وذلك لضمان عدم استفادة شريحة بالتهرب أو بالمحاباة والواسطة على حساب باقي المجتمع  , 

لذلك فعندما ننادي بحكم اسلامي او مرشح اسلامي لايكون ذلك من فراغ ولايمكن أن يكون أي شخص يصلح لتلك المهمة الخطرة ولكننا نبحث عن من يصلح لدفع السفينة إلى الماء لكي تعمل المنظومة ككل وليست في اتجاه ما لمصلحة فصيل أو أفراد بعينهم 

الإسلام  والاجتماع 
يتبع

السبت، يونيو 11، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 6




الاتجاه اليساري يتميز بتركيزه على قيمة اخرى غير قيمة الحرية وهي قيمة  "العدالة الاجتماعية" وهذه القيمة تتوغل وترسم معالم كل القيم الأخرى في المجتمع وتصبغها بصبغة العدالة الظاهرية ولبحث الجذور التاريخية للاتجاه اليساري يجب ان نفرق بين المصطلحات كالشيوعية والاشتراكية ، فاليسارية نشأت مع الثورة الفرنسية حيث جاء المسمى من تأيد النواب الذين كانوا يجلسون على اليسار  ما دعت اليه الثورة الفرنسية من نبذ اسباب الشقاء التي لحقت بالشعب والمتمثلة في رجال الدين وطبقة النبلاء والتحول إلى العلمانية كمذهب ديني والجمهورية كنظام سياسي والمصطلح قد يختلف في دلالاته على حسب الدول ففي الغرب يشير المصطلح اليساري إلى الاشتراكية حيث تعتبر الاشتراكية هي محاولة لتطبيق شكل من اشكال الديمقراطية و تطالب الاشتراكية بمقاومة النظام المركزي الشمولي في الشيوعية عن طريق تطبيق الديمقراطية في مجالات الحياة مع التأكيد على الفكرة الاساسية وهي المساواة والعدالة الاجتماعية وكما هو الحال فإن كل التيارات يكون لها ذراع معنوي للتأكيد على الناحية الفلسفية للمشروع وقد وجد هذا الاتجاه في نظريات داروين في النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي بعداَ يسمح له بمقاومة القمع الديني وتقليص هيمنة رجال الدين بتبني نظريات اخرى معارضة تسمح له بتكأة علمية مبررة للاتجاه المعنوي الجديد ، واليسارية تختلف عن الشيوعية في عدم مساندة الشيوعية القمعية بل ان بعض الشيوعين يعتبر القمع من بنات افكار ستالين وينظر "للستالينية" كتيار داخل الشيوعية
ومن الامثلة اليسارية الحديثة حزب العمال البريطاني الذي كان يرأسه توني بلير والحزب الديمقراطي الامريكي (المناوىء للجمهورين)ومن المعروف ان السياسات اليسارية هي سياسات معارضة تماماً لاستخدام القوة العسكرية كحلول ودائماً ما تصوت ضد استخدام الحلول العسكرية "اللهم إلا ضد استخدامه ضد المسلمين فهذه المسألة عليها إجماع من جميع التيارات" وهو ما يسمى عند اليسار بالوسائل العادلة لتحقيق الغايات وهنا يبرز الخلاف الجوهري حيث يؤمن اليمين بالنتائج العادلة "ويمكنه في سبيل ذلك استخدام الحرب  أو أي آلية تمكنه من تحقيق النتيجة العادلة (من وجهة نظرة طبعاً ) وكذلك رفض مبدأ السوق الحر لأنه ينتج حدوث طبقية بالاضافة إلى المركزية التي يدعمها اليسار واللامركزية التي يدعمها اليمين
وتعتبر اليسارية هي محاولة لتهذيب الشيوعية التي تقتضي محاربة الراسمالية واستغلال الطبقات الكادحة وتأميم المؤسسات الكبرى للوصول للاشتراكية وبعدها الوصول للشيوعية وهو مالم يحدث في العالم حيث تتحول الاشتراكية إلى معتقد ومذهب فكري واقتصاد يصل بالمجتمع لحصول كل فرد على ما يكفيه من كل شيء بعد تراكم الثروات الناتجة عن العمل بعيداً عن امتلاك الافراد لها
وطبعاً بعد فشل الشيوعية على جميع الأصعدة في كل بلدان العالم التي طبقتها وكانت النتائج مذهلة حيث فشلت الشيوعية في تحقيق مكاسب للطبقات العاملة أكثر مما كانت تحققه لها الأنظمة الأخرى توجت الانظمة إلى محاولة "اعادة بناء" والمسماة البيريسترويكا في محاولة لتصحيح مفاسد أخطاء الشيوعية ومحاولة نقلها للوسط وكان الاستقرار على الاشتراكية كما حدث في روسيا على يد جورباتشوف وفي الصين في مرحلة ما بعد ماوتسي تونج
وبالعودة إلى الجذور التاريخية القريبة للمنطقة العربية نجد أنه بعد توقيع فرنسا وبريطانيا اتفاقية سايكس بيكو التي تقتضي بتقسيم الدولة الاسلامية "العثمانية " من دولة واحدة إلى دويلات صغيرة حتى يسهل احتلالها ونهب خيراتها كان ولابد من فرض تأصيل فكري لتلك العملية وكالعادة تضع الامم الفائزة ثقافتها ومرجعياتها وتتحول الأمم المهزومة إلى مستورد لثقافات الأمم الأخرى ومن هنا كان ولابد للغرب أن يؤصل في وجدان الناس أن الهزيمة كانت ناشئة من التمسك بالمرجعيات القديمة (الدينية) والدليل أنه عندما تركها هو تقدم وساد العالم ، ولكن المشكلة كانت أن الغرب ليسوا كالشعوب الوثنية أو الشعوب الضالة الأخرى ذات المرجعيات الاسطورية أو الثقافات الأقل التي انصاعت بكل سهولة للمشروع الغربي فكان لابد من أحد الحلول الآتية 
إما أن يتحول العرب بالكلية إلى الأنظمة الغربية ويتركوا كل معتقداتهم القديمة 
وإما أن يتوصلوا إلى صيغة وسطية تعتنق الفكر الغربي ولكن "بمظهر" عربي 

وقد كان كلا الحلين مناسب في نظر الغرب فبدأ في تنفيذ خطة متوازية بدأت بممارسة مبدأ النتائج العادلة السابق فشرع في احتلال البلاد ونهب خيراتها لتطوير المشروع الغربي وبدأ بإلقاء بعض مزايا المشروع على المستوى العلمي والثقافي للبلاد المحتلة المبهورة بالحضارة الغربية المزدهرة والراغبة في اللحاق بركب التطور  وبعد فترة من من هذه العمليات الاستعمارية وعندما تيقن المستعمر ان الخسائر من المشروع الاستعماري العسكري ستكون أكبر من المكاسب تحول غلى نوع آخر من الاستعمار وهو الاستعمار السياسي والاقتصادي وهو دعم تيارات موالية وتسليمها السلطة والحرص على بقائها في يدها من خلال المشروع الاستعماري العالمي الذي لايزال مستمراً حتى اليوم بأشكال مختلفة 
والأمر ليس كما يبدو عليه اليوم فالشعوب العربية لم تحصل على استقلالها حتى اليوم ولكنها تعيش خدعة كبرى 

لذلك فدعم الغرب مثلاً حركة القومية العربية كبديل للمشروع القديم الذي وحد العرب وصنع امجادهم وأصبح "جمال عبدالناصر" والناصرية من بعده هي علامة من علامات القومية العربية ذات المرجعية الاشتراكية المنحازة للطبقات الكادحة التي حققت شعبية وجماهيرية كاسحة في الوطن العربي كله وليس في مصر فقط ولازالت تلقى رواجاً حتى الآن

ومن هنا نرى جلياً أن المشروع الغربي كله يتركز حول فكرة أصيلة هي التحرر من قبضة الراديكالية الدينية ويرى فيها مشروع تنموي شامل يحقق التقدم والاستقرار ، وهو يصدر لنا هذا المفهوم بشتى الطرق والاتجاهات
ونحن لاننكر أن الغرب محق تماماً في ذلك فيما يتعلق بما تبعه من أديان خلال الفترات التاريخية القديمة والتي كان مقدراً له ان يتبع حزمة من الديانات الاسطورية في اليونان والديانات الوثنية كذلك اتباع الديانة المسيحية التي لم تحقق له معادلة ناضجة ومشرفة كالتي قدمها الاسلام للعرب ، فالذي حدث مع العرب  عند اتباعهم الاسلام هو عكس ما حدث مع الغرب عند اتباعهم المسيحية
فلقد ساد العرب وبنوا حضارتهم بالتمسك بالقيم الاسلامية 
على عكس من ذلك فلقد بنى الغرب حضارته بالتخلى عن ديانته
وهنا مربط الفرس فالمشروع الغربي يتضح جلياً في التخلي عن القيم الدينية القديمة على حد تعبيره والشروع في بناء حضارة ذات أصول انسانية بحتة بعيداً عن تعليمات السماء

اما المشروع الإسلامي وكيفية عمله فهذا ما سنتعرف عليه في البوست القادم "حته سسبنس "هههاي
                      

الثلاثاء، يونيو 07، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 5



كنا قد تعرضنا للمشروع السياسي الإسلامي الداخلي والخارجي وتلمسنا معالم الخطوط العريضة للسياسة الداخلية والخارجية  التي تضبط حدود التعاملات بين النظام الإسلامي وبين المسلمين المطبقين لهذا النظام وكذلك علاقة النظام الإسلامي الدولي بالعالم الخارجي ولإيضاح الفروق بين المشروع الاسلامي والأنظمة الأخرى سنقوم باستعراض الأنظمة السائدة على الساحة ونرى ماهية هذه الفروق 

المشروع الليبرالي 
نشأة الفكرة : نشأت الليبرالية في أعقاب الحروب الاوروبية في القرون الخامس عشر والسادس عشر كحركة مقاومة للقمع الديني الذي يفرض سلطته بغض النظر عن رضا المحكوم ومراعاة حقوقه
نبذة مختصرة
 الليبرالية تعني التحرر المطلق وهي حاليا مذهب اجتماعي و

 سياسي ، يهدف لتحرير الإنسان من القيود السلطوية الثلاثة

 (السياسية والاقتصادية والايدلوجية )، ولكن هذا الأصل قد تم

 تحريفة مع الوقت ليصبح التحرر من الدين فقط  فالمفترض أن

 الليبرالية  تتحرك وفق قيم المجتمع الذي يتبناها  وهي تتكيف 

 حسب ظروف المجتمع، وهي مذهب سياسي واقتصادي معاً ففي

 السياسة تعني القيام  على استقلال الفرد والتزام الحريات

الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية

وبخصوص العلاقة بين الليبرالية والأخلاق و الليبرالية والدين، فالأصل أن  الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار فأن  تكون بلا أخلاق  فهذا شأنك. ولكن أن يكون انحلالك ضرراً للآخرين، فهنا يأتي دور العقوبات . وأن تكون متدينا أو ملحداً فهذا شأنك . وتبني الليبرالية فلسفتها على الفرد وحريته وإطلاق تلك الحريات بشتى الطرق فمن حق الفرد أن تكون له فلسفته الخاصة في الحياة فالحرية والإختيار هما الأصل في الفلسفة الليبرالية وهي تقوم على النزعة الفردية الخاصة واحترامها واعتبارها حجر زاوية في نهضة أي مجتمع 
أهم المنظرين والمفكرين 
وبناء على نظرية العقد الفريد التي نظر لها كانت وجاك روسو وتوماس هوبز فإن هناك عقد مجازي بين الحاكم والمحكوم يقوم على رضا الطرف الثاني ضمنياً وإن كان جون لوك يعتبر أول من نظر لليبرالية 
النظرة الإقتصادية 
تعتبر الرأسمالية هي الجناح الاقتصادي لليبرالية حيث تعتبر أن للفرد مطلق الحرية في أي ممارسة اقتصادية بغض النظر عن أي قيم أو أخلاق  طالما في إطار القانون الخاص بالبلاد وهي تؤمن بنظرية السوق الحر الذي لاتمارس فيه الدولة أي نشاط اقتصادي وتترك السوق يصحح نفسه بنفسه فمثلاً يمكن للفرد القيام بممارسة أنشطة التجارة الجنسية بما لايتعارض مع القانون ولو وجد نظام يتيح تجارة المخدرات في بلد فلا مانع من ممارستها كهولندا مثلاً وإن وجدت طريقة لتجارة الرقيق الابيض في إطار قانوني فلا مانع كما يقوم اصحاب المواقع الجنسية التي تغرق الانترنت بالتجارة في النساء الروسيات والبلاد التي تتعرض لضغوط اقتصادية ولكن بشرط أن تتعدى السن القانونية وهي 18 سنه حتى لا يقع تحت طائلة القانون وعليه فكل شيء مباح طالما وجد قانون وضعي يبيحه 

الانتقادات الموجهة من الليبراللين لأصحاب المرجعية الإسلامية 
سوف نجد هنا أن كل الإنتقادات الموجهة للإتجاه الإسلامي واحدة ومتكررة مع كل الإتجاهات الاخرى وهي اتهامات معلبة وجاهزة للإطلاق في أي نقاش وبغض النظر عما يقوله المخالف وهي كما سبق وقلنا تنحصر في 
تقييد الحريات وخصوصاً حرية المرأة 
اقصاء المخالف واحتكار الاسلام
تقييد حريات الإبداع والفن 
حرمان المخالف في الايدولوجيات من حقه المدني كترشيح غير المسلم للرئاسة 
التعصب والتشدد للرأي بحجة أنه من عند الله 
تطبيق عقوبات وحشية على الخالفين مما يعارض حقوق الانسان

هذه هي لائحة الاتهامات الجاهزة والمعلبة سريعة التحضير التي سيلقيها أي فصيل مخالف في وجه أي فرد له اتجاه إسلامي أثناء الحوار وكما قلنا فإن هذه الاتهامات بعضها ليس له محل من العقل حتى يرد عليه أو يتم مناقشته والبعض الآخر يعرف رده القاسي والداني ولكن العبرة في النقاش في كيفية المناورة الجدلية ومحاولة استدراج المخالف في زاوية بحيث يكون موقفه ضعيف فلايستطيع الرد حتى وإن كان معه الحق وهذه للأسف تتكرر كثيراً ضد من لهم مرجعية اسلامية 

وأخيراً سنحاول القاء الضوء على أوجه الخلاف بين النظرية الليبرالية  والمشروع الاسلامي

بالتأمل في حقيقة الامر سنجد أن كافة النظريات التي تطرح نفسها كبديل للمشروع الإسلامي تقع في مأزق بشع لايلتفت إليه الكثير وهو مأزق "النظرة الأحادية للحياة " فعلى سبيل المثال سنجد أن الليبرالية قد اجتزأت من الحياة بأسرها مفهوم الحرية وبنت عليه فكرة بديلة وجعلت الحرية هي محور الحياة والغاية التي إن تحققت سارت الأمور كلها "بكل نتغيراتها الأخرى وقيمها" على خير ما يرام ، في حين أن الحرية وإن كانت قيمة كبيرة ولها وزن نسبي عال جداً في الفكر الإسلامي إلا انها ليست القيمة الوحيده في منظومة القيم الإسلامية فضلاً عن القيم الإنسانية ولإيضاح الفكرة سنجد أن الشيوعية والاشتراكية قد ركزت هي الأخرى على الإقتصاد كعامل وحيد ومحوري لإصلاح الحياة كلها وادعت أن اصلاح الإقتصاد "بنظرة معينة " سيقوم باصلاح الحياة بأسرها ، وعلى الصعيد الفلسفي مثلاً سنجد ان فرويد قد جعل الجنس هو محور التفكير الانساني ونسب كل الأفكار والتوجهات والأمراض البشرية إلى الرغبات والجنس وترك باقي العوامل ، أي أن الانتقاد الأول الموجه للنظرية الليبرالية هو انتقاد عام وهو النظرة الأحادية للحياة
كذلك فإن من أكبر الانتقادات الموجهة للاتجاه الليبرالي (الداخلي ) أن معظم رموزه مسلمون وعلى الرغم أن قيم الحريات في الإسلام معروفة للجميع إلا أن هؤلاء الرموز يعدلون عن تلك القيم (جهلاً منهم بها ) ويطالبون بيتطيق نموذج آخر أقل جودة ولا يقومون بمناقشة المشروع بالكامل بل يجتزؤن منه تلك الانتقادات مع جهلهم التام والكامل بباقي المشروع 
حرية الفرد في ممارسة الحياة والاقتصاد وسائر مناح الحياة بلا رقابة ذاتية واجتماعية تصل بالفرد إلى مرحلة التغول وتصل به النزعة الفردية إلى التفكير في السيطرة على العالم فطموح الإنسان غير محدود ولا يحده إلا الوازع الديني والاخلاقي والرقابة الجماعية التي تشكل ضغط مستمر لمطالبته برعاية المصلحة العامة جنباً إلى جنب مع مصلحته "انظر إلى ما آلت إلية شركات الأدوية والأسلحة والبرمجيات في العالم الغربي فقد تحولت إلى مافيا مقننة وحولت العالم إلى بؤر صراعات وحقل تجارب للأمراض ومختبر لتجارب غسل الأدمغة " وبذلك تكون بمنزلة مكابح على النزعة الفردية بدلاً من العبودية المطلقة للمصلحة الفردية والمال والسلطة
بذلك نكون قد القينا الضوء على الخطوط العريضة لمعالم الخلاف بين المشروع الاسلامي والليبرالي وبعد استعراض باقي البدائل المطروحة سنقوم بعرض  طريقة عمل المشروع الإسلامي عملياً 


الأحد، يونيو 05، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 4



السياسة بوجه عام تنقسم إلى سياسة داخلية وهي معنية بأمر الشعب وأحواله وتنظيم الدولة من الداخل وتنظيم سلطات الدولة والهيكل العام للنظام الداخلي وترتكز في داخلها على السلطات الثلاث المعروفة وهي السلطة القضائية  لتطبيق القانون والسلطة التشريعية لاصدار القانون  والسلطة التنفيذية وهي المنوط بها تنفيذ القانون وتبدأ معالم شخصية الدولة الداخلية في الظهور في ظل وجود مجالس تشريعية ونيابية كمجلسي الشعب والشورى والمؤسسات القضائية والمحاكم الدستورية والمحاكم العامة بالاضافة إلى الشرطة والقوات المسلحة كسلطة تنفيذية ، أما السياسة الخارجية فهي معنية بتواصل الدولة مع العالم الخارجي وهي بذلك تحمي مصالحها الخارجية وأمنها الداخلي وأهدافها الفكرية وتحاول انعاش اقتصادها ايضاً وذلك لا يتأتى إلا بطريقتين إما التعاون السلمي مع الدول من خلال اتفاقيات تعاون مشترك أو بالعدوان على الدول الأخرى واستعمارها لتحقيق مكاسب وفرض ثقافات
 وقد كانت هناك مدرستان فقط لتنظيم السياسات الخارجية في العصر الحديث هما المدرسة الأخلاقية أو المثالية والمدرسة الواقعية والمدرسة الأولى ينظر لها الليبراليون على أنها لعبة يربح فيها الجميع عبر التعاون الاقتصادي ونشأت بعد الحرب العالمية الأولى مع تأسيس عصبة الأمم ، أما المدرسة الواقعية (فهي مصيبه :)  ) فهي تعتبر أن السياسة الخارجية يجب أن تعبر عن  فهم جيد للواقع وتبني على المصلحة الذاتية فقط والحسابات المادية وتسعى لتحقيق المصالح لأي وسيلة وإن كانت القوة او الاستعمار لذلك فهي ترتكز على تأصيل وجود القوة العسكرية وهي لاتعتبر ذلك مخالف للقيم الانسانية بل تعتبر ذلك شيء حتمي تفرضه الظروف لأن المصلحة والمنفعة مرتبطة بالقوة والسلطة .. ملحوظة هامة هذه النظرية تنظر للسياسات الخارجية للدول على انها منظومة خاصة مستقلة عن اي منظومة أخلاقية أو اقتصادية وتقوم على المنفعة المرتبطة بالسلطات والقوة لاحظ الانفصال التاريخي للنظريات السياسية عن القيم الدينية ، ولاحظ سلوك الدول الامبريالية الحالية كأمريكا وأوروبا واسرائيل سيمكنك ذلك من تتبع الآثار السياسية لهذه الدول ويمكنك أيضاً من التنبؤ بما سيأتي لا محالة 
ولمحاولة  ربط هذه التوجهات السياسية بالمشروع الإسلامي يجب فهم المشروع الإسلامي من ناحية السياسة الخارجية لمقارنتها بالتوجهات السياسية المذكورة وسوف يتضح لنا جلياً بعض المغالطات الفكرية الملصقة بالاسلام 
تنطلق فكرة السياسة الخارجية في الاسلام من جهتين أساسيتين 
الجهة الأولى هي الجانب الدعوي وفيه تكليف إلهي لكل المسلمون بإيصال دين الله كما هو (بلاتشويه أو نقصان) إلى كافة الناس بكل الطرق المتاحة حيث لابديل عن إيصال الدعوة للناس لتتحقق فكرة الخيارات لأن من لم تبلغه الدعوة كما هي له عذر امام الله لذا وجب على المسلمين تبليغ كلمة الله للناس بالحسنى كما هي عن طريق  طرق الدعوة والخطاب المعروفه فإن حال دون ذلك حائل وجب إزالته وهذا هو طريق الأنبياء منذ بدء التاريخ ، رسول يدعو الناس لدين الله ويعرضه عليهم فقط بالحسنى فيؤمن القليل ويأبى باقي الناس فيستمر الرسول في الدعوة فيحول بينه وبينها كبارالقوم حتى لايزيد من اتبعوه ومن ثم يبدؤن باستخدام السلطة والقوة لفرض ايدلوجيتهم الخاصة بالسلطة والقوة الموضحة أعلاه وهنا يظهر الدور الإلهي حيث يتحمل الرسول في ذلك مشقة القتل أو النفي أو القهر حتى ينزل الأمر الإلهي بنصرته أما في حالة الإسلام ولأنه خاتم الرسالات فقد جعل الله لهذه الامة خاصية أخرى وهي أن النصر لايأتي بواسطة إهلاك الأمم الكافرة بعذاب عام ولكن الله قد أباح للمسلمين الجهاد دفاعاً عن انفسهم ثم لإزالة الطواغيت الذين يحولون بين الناس والحق فيستمر الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة وهذا هو محور الجهة الأولى 
أما الجهة الأخرى فهي جانب المعاهدات والعلاقات الخارجية والاتفاقيات الدولية وهي متروكة للمسلمين لإدارتها بما يحقق المصلحة العامة 

إلى هنا نكون قد إلقينا الضوء على مفهوم السياسة الداخلية والخارجية من المفهوم العام والمفهوم الاسلامي كخطوط عريضه وسوف نبدأ في عرض الطرق التطبيقية للنظريات المخالفة للاسلام مقارنة بالنظرية الاسلامية والمشروع الإسلامي من المرة القادمة حيث أنني صاحي متأخر وأتأخرت على الشغل (معلش بقا أنا طلسقت في البوست ده ) :)))

السبت، يونيو 04، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 3



كنا قد وصلنا حتى الركيزة الرابعة من الركائز الخمس التي يتضح بها قوام المجتمع  في المشروع الاسلامي وهي حماية الانساب والأعراض وفي هذه الركيزة يضمن الشارع للفرد المسلم النشوء في مجتمع يحترمه ويضمن له حياة كريمة في ظل نظام أسري طبيعي في علاقة سوية بينه وبين المجتمع فيمنع العبث بالأعراض تماماً ويضع عليها حد الزنا الذي تتراوح شدته بين الجلد في حالة عدم الإحصان  وهي للتي لم يسبق له الزواج الصحيح والرجم للمتزوج أو من سبق له الزواج الصحيح حيث يؤدي ذلك إلى صيانة الأنساب من الفوضى التي تعيشها المجتمعات الأخرى بحيث يصبح الفرد غير منتم لأسرة وبالتالي لايربطه بالمجتمع سوى مصالحه الشخصية بالاضافة إلى استمرار المجتمع داخل منظومة الزواج الشرعي وعدم اللجوء إلى البدائل غير الشرعية التي من شأنها أن تؤدي اضمحلال السكان كما يحدث في اوروبا التي تناقصت منظومة الزواج بها وبالتالي السكان ,  وكذلك قيم الأسرة حتى باتت مهددة لاستمرارية المجتمع وهو من أشد الأخطار التي تتعرض لها المجتمعات الأوروبية في الوقت الراهن , هذا بالإضافة إلى منع التعدي على الأجيال القادمة وحفظ حقها في الحياة أو في الوجود داخل منظومة تضمن له حياة كريمة باعتباره فرد شرعي وليس مجرد نبتة شيطانية منبوذه , وطبعاً هذا الحد يثير أرتيكاريا مزمنة لدى الداعين للحريات باعتباره مقيد للحريات الفردية للمرأة وضد حريتها في امتلاك جسدها كما يزعمون وضد حقها في الاجهاض وضد حقها في ممارسة الحياة التي تريد بالشكل الذي تريد وذلك ما هو إلا تقنين للعهر الاجتماعي ولايحتاج إلى رد فهو شيء تأباه الفطرة السليمة وواضح للعيان الغرض منه ومن خلفه 

ثم نأتي على الركيزة الأخيرة والتي تمثل حجر الزاوية في أي منظومة إجتماعية وهي حفظ الأموال ولها نوعين من انواع الروادع وهي حالة تستحق التأمل الطويل فالمعلوم أن النظام الاقتصادي الاسلامي يقوم على ركيزتين أساسيتين هما منظومة الزكاة كمصدر ايجابي ومنظومة الربا وأحكامه كمصدر سلبي والمتأمل يجد أن الحد لم يوضع على تارك الزكاة وهو ذنب هائل ولا على مرتكب الربا وهو قد توعده الله بالحرب ولكنه وضع على ذنب أقل منهما وهو السرقة وقد اكتفى الشارع بالزواجر المعنوية واعتبار ترك الزكاة أو ممارسة الربا من الكبائر المهددة لقوام الإسلام للذي يمارسها في حين وضح حد القطع على السارق وهو أقل من سابقيه لما فيه من تعد مباشر وصريح على حقوق العباد وسلب مقدراتهم والإضرار المادي الآني المترتب على السرقة بكل اشكالها ونحن نعايش الآن ويلات النهب والسرقة في الفترة الحالية ,  أما منع الزكاه مثلاً فيعاقب عليها مانعها أمام الله بأشد انواع العذاب يوم القيامه ولكن المنظومة مستمره في الدنيا لأن المجموع يؤدي الزكاة ويستكمل النقص بالصدقات مثلاً أو حتى في حالة منع المجموع لزكواتهم فإن العقوبة تكون جماعية بأن يسلط طبقات المجتمع على بعضه فيحدث خلل اقتصادي واجتماعي معاً حتى يرجع الناس للأصل  , وكذلك في حال الدخول في المنظومة الربوية بشكل فردي يكون العقاب بشكل فردي وإن كانت الممارسات عامة فإن ذلك يؤدي لخلل المنظومة الاقتصادية وعقاب المجتمع بشكل جماعي بالكوارث الاقتصادية وفترات الكساد وتركز رأس المال في يد مجموعة تستغل باقي المجتمع أسوء استغلال ممكن لتنمية ثرواتهم على حساب المجتمع ككل ولا ترحم الباقي كنوع من العقوبة العامة كما يحدث في الكثير من المشاهدات الحالية لذلك كان العقاب على السرقة اشد لأنها سطو على ثمار وناتج عمل وجهد المجتمع والأفراد وهي حقوق العباد أما منظومة الزكاة والربا فالضرر وإن كان أشد إلا أنه يحتاج لدورات زمنية ويمكن الاصلاح داخل هذه الدورات وتصحيح المسيرة أما السرقة فلالأنها تؤدي إلى خراب المنظومة كما تفعل الآفات بالزروع والثمار
********
من الملاحظ على المدخل السابق أنه يحدد أسس البناء النظري لحدود المجتمع الآمن من جميع الجهات وتشمل الحدود الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية , ومن الملاحظ أن التطبيق العملي لهذا البناء في صدر الإسلام لم يكن بهذا الترتيب بل على العكس منه فقد قام النبي الكريم بنقل المجتمع تدريجياً من مجتمع بلا قيم معنوية واضحة إلى منظومة قيم معنوية واضحة ومن مجتمع بلا أعراف اقتصادية ونظام مالي إلى مجتمع له أسس اقتصادية عامة ومعلومة الحدود ومن مجتمع نكرة سياسياً وسط قوى عظمى لاتعيره أي اهتمام ولا تضع له أي وزن وكانت تتمثل في الفرس والروم إلى مجتمع له نظرة سياسية ومستقبل واضح ومعدلات نمو مضطرده وصلت إلى أن ورث هذا النظام جميع أنظمة العالم بكل اطيافها وفرض رؤيته الخاصة على الأرض كلها بعد فترة قصيرة .. والدرس المستفاد من التجربة التاريخية للرسول في صدر الاسلام هو وضع رؤية واضحة  يكون الاساس الواضح لها هو معرفة ما نحن عليه أولاً وأين نقف ثم الشروع في وضع برنامج زمني محدد طبقاً للرؤية السابقة في الأساس النظري لتفعيل هذا النظام وتشغيله بشكل كامل وهذا لا يتأتى بالطبع إ لا بعد مقدمات ضرورية وتوطئة للأفهام العامة واستغراق شديد في فهم الواقع الذي نريد أن ننزل عليه تلك المنظومة المتكاملة حتى لايؤدي الانزال الخاطىء للأسس في خلل اجتماعي ... واستحضر هنا قول الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز لابنه حين طلب منه أن يحمل الناس على منظومة الدين وشرع الله جملة واحدة لتعويض بعض الانتهاكات السابقة للحكام فقال كلمته الشهيرة " أخشى أن أحمل الناس على شرع الله جملة واحدة فيدعوه جملة واحده " أي أن نقل الناس إلى النظام المتكامل بلا مقدمات يمكن أن يؤدي بمجموع الناس إلى رفض ولفظ النظام بالكامل كنوع من أنواع الدفاع النفسي ضد التغيير الكامل لذلك نجد الرسول الكريم في صدر الاسلام يتدرج بالناس في كافة الاحكام حتى الصلاة فقد كان من المسموح فيها في صدر الاسلام أن يكلم المصلى أحد المارة مثلاً أثناء الصلاة ثم منع ذلك تدريجياً وكذلك قائمة المحرمات نزلت تدريجياً على مدار 23 سنة كاملة وتأمل هنا قول السيدة عائشة أم المؤمنين 
""إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام..
ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندع الخمر أبدا ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا..
لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده 
أي أنها تقول أن أول ما نزل من القرآن سور المفصل أي قصار الصور التي فيها ذكر الجنة والنار وترسيخ العقائد في جمل ومقتطفات قصيرة جداً ترسخ في وجدان الناس عظمة الإله وتحضهم على طاعته ثم إذا ما استقر الأمر في المدينة بدء الحلال والحرام في النزول تدريجياً وتقول لو أن أول ما نزل  هو أول ما يقرأ (البقرة والنساء في ترتيب المصحف يعني ) لقال الناس لاندع الخمر ولا ندع الزنا لأنهم حديثي عهد بالاسلام ولا يطيقون التكاليف 
هذه هي قمة السياسة الداخلية للمتأمل فالأحكام جاهزة ومعروفة ولكن انزالها على الواقع يتطلب مراعاة لحال المتلقي ففي مجتمع حديث عهد بالفساد والرشوة والغش التجاري وحديث عهد بصعوبة الزواج وانتشار العهر والانحلال وحديث عقد بالفقر والجهل  والمرض كل ذلك يتطلب أن يكون هناك منظومة سياسة داخلية محكمة لنقل المجتمع على المستوى الفكري والعملي إلى فهم تطبيقات المشروع الإسلامي قبل الشروع في التطبيق كما فعل النبي والخلفاء من بعده 

هكذا نكون قد انتهينا من المدخل الأساسي للمشروع الاسلامي ككل وفي الجزء القادم لن نقوم بالدخول في كامل المشروع لأن ذلك قد يستغرق الكثير من الوقت لكن سنركز على الركائز السياسية في المشروع حتى يتسنى لنا فهم حقيقة ما يدور على أرض الواقع في المرحلة الانتقالية السياسية التي نعيشها وما هو دور المشروع الاسلامي في تلك المرحلة 

ملحوظة : يجب قراءة تعريف جيد للاتجاه الليبرالي والاتجاه الشيوعي وتفريعاته اليسارية والاشتراكية وكذلك الاتجاه القومي السياسي كالناصرية قبل الدخول في الجزء القادم حتى نفهم توجهات المخالف فهماً صحيحاً لمعرفة أوجه الاتفاق والاختلاف معه في المرحلة الحالية ياريت نحضر الموضوع :)

الجمعة، يونيو 03، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 2




ملحوظة : كل الأدلة الشرعية والاستدلالات التي سترد في هذا الموضوع يجب ان تكون من الثوابت التي تخرج عن نطاق الخلاف الفقهي والجزئيات وإن وجد أي دليل أو استدلال غير قطعي أو يحتمل التأويل أو الخلاف يرجى التنبيه

مدخل أولي 

ينقسم المشروع الاسلامي الشمولي  من حيث تنظيم العلاقات إلى 
تنظيم علاقة الفرد بالله 
تنظيم علاقة الفرد بالمجتمع 
وسوف نتناول هنا الجزئية الثانية لأن الجزئية الأولى هي علاقة خاصة جداً والنصوص والقواعد التي تنظمها  وكل ما يتعلق بفهمها واجب على آحاد الناس 
اما فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع (بافتراض هنا أن المجتمع مسلم لأن المسلم خارج الدولة الإسلامية له أحكام أخرى)فهي محور هام وركيزة اساسية لفهم المشروع السياسي الحياتي المتكامل أي أن السياسة ما هي إلا جزء من المشروع الاسلامي بخطوطه العريضة كما سنرى ولايمكن أن تنفصل عنه بأي حال 
بالنظر في اصول الشريعة سنجد أن أي مجتمع من وجهة النظر الاسلامية لابد له من 5 ركائز أساسية لضمان بدء بناء تلك البيئة التفاعلية الهامة وتلك الخمس اصول تنحصر في 
حماية عقائد المجتمع وضمان استقرار اصول الديانة ثابتة في وجدان المجتمع
حماية الأرواح وضمان عدم التعدي عليها لضمان الأمن الذي يتطلبه استقرار اي مجتمع
حماية الفكر والعقل وضمان عدم الفوضوية المهددة لوجدان المجتمع
حماية الأعراض والأنساب والنوع من أية تعديات تحت أي مسمى
حماية الأموال العامة والخاصة لضمان استقرار اقتصادي أكيد للمجتمع
والخمس ركائز السابقة اجمع علماء المسلمين على أنها هي اجماع اصحاب العقول السليمة في انها عليها مدار الرسالات السماوية التي أتت لحفظها وصيانتها ويطلق عليها الكليات الخمس أو الضروريات الخمس 
ولأهمية وحتمية توفير هذه العناصر للمجتمع قبل الشروع في تنفيذ أي مشروع وضع الشارع الحكيم ضمانات لتثبيت هذه الركائز

فلحماية عقائد المجتمع وضع زواجر رادعة وعقوبات على أي نوع من أنواع التعدي على تلك الحرمات الإجتماعية فأي مساس بالعقيدة يجهر به فرد داخل المنظومة الإجتماعية للمسلمين يتيح للحاكم قتله على الفور بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع (الموانع هي الخطأ-التأويل -الجهل-الإكراه وقد ذكر بعض العلماء موانع اخرى كالصغر والجنون والسفه والهزل ) ويوجد اشكالية كبرى هنا في فهم هذا الحد فالمخالف  يقول أنه ضد حرية الانسان في اختيار المعتقد بل وذهب بعض المسلمين  والمفكرين الحاليين أن حد الردة لايتناسق مع النظم الجديدة ويمكن تعطيل العمل به وذلك لعدم قدرتهم على درء التعارض الظاهر في الشبهة التي يسوقها المخالف والرد على ذلك بسيط جداً وهو أن الحد لايطبق إلا على المرتد الذي يجهر بالكفر بدون أي مانع وهو داخل المجتمع ويصر على تقويض البناء العقدي للمجتمع أي أن أي متأول للنصوص لايطبق عليه الحد وأي انسان ارتضى لنفسه الكفر واعتناق اي ديانة اخرى  وخرج خارج دائرة المجتمع المسلم فهو حر ولانتتبعه ونقتله أبداً وأي انسان يبطن الكفر (وما أكثرهم في زماننا )بل ويتكلم به بطريقة غير مباشرة لايطبق عليه وإن كان منافقاً معلوم النفاق .. أي أن الحالة الوحيدة التي يطبق فيها الحد هي شخص مسلم  يجهر بالكفر ويثير الفتنة والبلبلة داخل دائرة المجتمع المسلم لأنه إن ترك داخل الدائرة المجتمعية سيفسد على الناس عقائدهم  لأن ممارسة الكفر تتطلب نقد المعتقد علنياً وهو ما قد يفسد على العوام دينهم
ملحوظة : في ميدان التحرير بعد جمعة الغضب مباشرة كان يرد علينا شباب وبنات يندسون وسط الناس تحت مبرر الحرية ويكلمون الناس بأنهم على خطأ وأن مبارك رجل شريف وعندما لم ينصت أحد بدؤا في الهتاف واعلان تأييدهم لمبارك فقام الشباب باخراجهم من الميدان فهاجوا وقالوا بأن من حقهم التواجد حيث يشاؤن فهم احرار ومن حقهم اعلان موقفهم ودارت نقاشات سخيفة معهم حول الحريات في اعلان الموقف فقام رجل بسيط وقال .. احنا سبنالكم مصر كلها قولوا رأيكم فيها لكن هنا احنا لينا رأي تاني .. قالها بمنتهى العفوية ... نفس هذه الوجوه ظهرت في موقعة الجمل  اي ان الرجل العامي ادرك أن البيئة المتمثلة في ميدان التحرير بيئة نظيفة يجب تعقيمها من زخم الباطل الذي نراه بالمشاهدة ولا نحتاج عليه دليل  .. وثبت بالدليل القاطع أن مدعي الحوار والحرية عندما ئيسوا من اقتحام عقول الثائرين في الميدان اتوا بالخيل والبغال والحمير والجمال .. صورة كربونية مصغرة لفلسفة حد الردة في الاسلام :) بيئة نظيفة

ولحماية الأرواح والأنفس وضع الشارع الحكيم حدين لحرمة الدماء وهما حد القتل وحد الحرابة وهما من أشد وأقوى الروادع لأن القاتل قد هدم بناء الله وقوضه والشخص أو الجماعة التي تقوم بالبلطجة وتهديد الناس بالقوة سواء للسرقة أو للاغتصاب أو لأي هدف آخر تهدد أمن المجتمع كله لذلك جاء حد الحرابة أشد الحدود على الإطلاق لأنه خط أحمر (راجع الإنفلات الأمني الآن)والعقوبة فيه مشددة ومتنوعة ولا مثيل لها في أي حد آخر  ""إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 33المائدة ) )
 فأمر بقتلهم أو صلبهم وتقطيع أوصالهم أو نفيهم أو كل ذلك على حسب هل قتلوا أم سرقوا أو فعلوا الفعلتين  أو أضافوا لها ترويع الآمنين
وهنا يبرز من جديد وجه الناشطين الحقوقيين ليدافعوا عن البلطجية والقتلة والمغتصبين واللصوص ويقولون أن هذ الحد قاس وضد حقوق الانسان وبه وحشية 
والرد أن الحد ما هو إلا رادع فلو طبق الحد فكم شخص سوف تسول له نفسه التعرض له وإن فرض وجود من تسول له نفسه ذلك فهل العقوبات الرادعة أأمن للمجتمع أم العقوبات الهشة التي تجعل الجريمة منظمة ولها من المحامين من يعلم  الثغرات القانونية ويجيد اخراج المجرمين من المحاكمات مما جعل المجتمعات الاوروبية والامريكية نهباً للجريمة المنظمة وافتقرت للأمن مما ساعد على ترسيخ النزعة الفردية والتوسع في الاجرام وظهور بارونات المخدرات ومافيا تجتاح المجتمعات
فهل نضحي بأمن مجتمع كامل من أجل حفنة لصوص وقتلة ؟؟؟

والركيزة الثالثة هي حماية العقل والفكر واستحضار حالة الوعي التام والدائم وقد وضع لهذه الركيزة حد الشرب وهو يطبق على تناول أي مسكر يخرج الإنسان عن حالة الوعي العقلي  والاتزان الفكري فتناول الخمور والمخدرات يجعل المجتمع مهدد باشخاص في حالة اللاوعي ويمكن صدور تهديد حقيقي منهم  تجاه الآخرين , كما تؤدي حالة اللاوعي المتكررة بالفرد للإدمان وتلف العقول وهو ما يؤدي بالمجتمع لتحمل تبعات عظيمة  تتمثل في محاولة علاج هؤلاء وتحمل نفقات اخراجهم من تلك الحالة فضلاً عن تعطيل قيمة كبيرة تتمثل في هذا الفرد الذي بدلاً من ان يقوم بدور انتاجي في المجتمع تحول إلى عالة في حالة احتياجه لعلاج أو مفسد ومتعد في حالة استمراره في هذه الحالة مما يضع على المجتمع ضرر مضاعف 
ومن جديد يبرز من يتشدق بأن الفرد من حقه ممارسة اختياراته وتحمل عواقبها مهما كانت ولهم نقول أن هذا الفرد لو اغلق على نفسه بابه وتناول ما يشاء ومارس ذلك الحق فلن يضر سوى نفسه وحسابه على الله ولا حد عليه , أما أن يخرج من حالة الوعي ويعيث في المجتمع فساداً تحت عذر الغياب عن الوعي فهو هنا قد تعدى حدود الحرية الشخصية إلى حدود حرمة المجتمع ولثبوت الحد وتطبيقه شروط  وان وجدت شبهة لايطبق الحد 

يتبع علشان  منطولش  :)

الخميس، يونيو 02، 2011

السياسة والمشروع الإسلامي 1



احدى الاشكاليات الكبرى التي تلتبس على الكثير وبخاصة أصحاب المرجعيات السياسية  أو حتى العوام من الناس هي الاعتقاد بأن الدين شيء روحاني ووجداني بحت بحيث يجب فصله  عن مناح الحياة المختلفة تحت زعم ان الدين شيء مقدس يجب أن ننأى به عن الممارسات الحياتية "الدنيئة " التي قد يحدث بها تجاوزات وحسابات اخرى لاتناسب  هالة الدين المقدسة على حسب تبريراتهم لذلك فهم لايقبلون بخلط الدين بالسياسة , بل في الواقع لايقبلون بخلط الدين بأي شيء آخر ويصلون في نهاية الأمر أن يكون الدين شيء بين الله والعبد لا أكثر وقد يقبلون بوضع قيود على الممارسات الدينية وسحب بساط الحرية من تحتها لتعارضها مع قيم الحريات من وجهة نظرهم فمثلاً منع الحجاب باعتباره مظهر ديني مبرر لديهم ومنع الآذان مبرر لعدم الازعاج ومنع الزكاة مبرر حيث أن الحريات تقتضي حرية التصرف في الاملاك الخاصة كيفما يحلو للمرء وبناء على ما سبق فالمسموح به في اطار هذه المرجعيات هو فقط ما يسمح به تبعاً لظروف كل حالة

لذلك فنحن هنا فقط سنؤكد على نقطة هامة جداً قد يغفل عنها الكثير عند الحوار مع المخالف على اختلاف مرجعياته سواء كانت معادية أو مخالفة أو بها تحفظات
وهي أن السماح أو عدم السماح والقبول أو عدم القبول من الطرفين ليس هو ما عليه المعول في القضية ومع ذلك يتم انفاق كل الوقت في التطاحن حول تلك النقطة الهزلية وهي محاولة اقناع المخالف بمبرراتي لما أنا عليه بدلاً من مناقشة المشروع الكامل والبديل للطرفين , فنجد أن جل النقاش بنحصر في نقاط محددة هي
هل يقبل الاسلاميون بوجود رئيس غير مسلم؟
ما موقف الاسلاميون من المرأة ؟
ما موقف الاسلاميون من تطبيق الحدود؟
ما موقف الاسلاميون من الفن والفنانين؟
ثم نناقش لائحة الاتهامات
الاسلاميون  وإقصاء المخالف
الاسلاميون والتعصب والتشدد
الاسلاميون واحتكار الاسلام
وبلا شك فإن مناقشة هذه الترهات  بعاليه (وهي ترهات بلا جدال لأنها تحمل التناقض الداخلي الفج) يستهلك كافة الحوارات ويضع المتكلم في خانة الدفاع وعليه تكثر الأخطاء لأنه (وللأسف الشديد) يجيب عن الاسئلة الخطأ بالطريقة التي قد تكون صحيحة
وللتوضيح نسوق مثال شهير جداً قد ظهر في قلب العصر الاسلامي  عند ظهور طوائف المتكلمين والفلاسفة والملاحدة وقد كان هناك تطاحن فكري شديد بينهم وبين علماء المسلمين وقد أثار هؤلاء السؤال التالي
هل يستطيع ربك أن يخلق مثله ؟
فإن أجبت بنعم فقد أجزت أن يكون لله مثل وهدمت الديانة, وإن أجبت بلا فقد هدمت طلاقة القدرة الإلهية على فعل أي شيء وهدمت معها الديانة أيضاً لذلك فقد حار المناظرون في إجابة السؤال وظلوا يجادلون الفريق الآخر كما يفعلون الآن دون الوصول لحل شاف للجميع , حتى جاء أحد أفراد المعتزلة (فرقة إسلامية تخالف في أصل من الأصول وهو تقديم العقل على النقل ) وأجاب الإجابة الصحيحة المعروفة الآن وهي أن السؤال خاطىء لأن السؤال يقول """يخلق""" أي أن الإله المزعوم سيكون مخلوق وهو يهدم كونه إله من الأساس فيكون السؤال  حاملاً لنفيه ضمنياً وعلى المجاوب أن يدور حول نفسه في حلقة مفرغة دون الوصول للإجابة لأنه وجه تفكيره للإجابة عن السؤال قبل التمعن في السؤال وتحليله واستيعابه
 لذلك فلم أسمع حتى الآن من أي فصيل ديني عن الحلول المقترحة والتي يزخر بها الاسلام للخروج من الأزمات الطاحنة الحالية وكذلك لم أجد ذلك السياسي المحنك الذي يمسك بأطراف العملية السياسية مع استيعاب المشروع الإسلامي دون الانجراف في تيار الجدل اللانهائي حول الصراع الإسلامي مع التيارات الأخرى
لذلك فسنحاول في البوست القادم القاء الضوء على المشروع الإسلامي الحياتي الشامل بدون الخوض في اسئلة الجدل والمشروع يحمل بين طياته إجابات عن كل الأسئلة حتى التي لم تطرح بعد  

الأربعاء، يونيو 01، 2011

بدء التدوين




من الأمور المؤسفة التي حدثت خلال الشهر الماضي تلك الحملة المشبوهة التي تدعو للتدوين اليومي والمستمر وعلى مدار شهر كامل , وبالرغم من الاحساس الشديد بالمرارة وتلك الغصة التي تقف في حلقي من هذه الدعوة إلا أنني أجد نفسي مضطراً للمشاركة في هذه الحملة المشبوهة التي تقوم بها قلة مندسة على التدوين وذلك حيث أنني قد وجدت أن القلة المندسة غالباً ما تستفيد من الاندساس في أي شيء وعليه فقد بدءنا التدوين اليومي داعين المولى تبارك وتعالى أن يلهمنا التوفيق وطولة النفس والتأتان  للاستمرار في هذا العمل المضني الشاق والله الموفق والمستعان على رأي عمر سولومان 

وبوست اليوم ايها السادة الكرام للأسف ليس بوست سعيد وليس فيه رائحة السعادة ولا يتعلق بالاوضاع الحالية في مصرنا المحروسة مباشرة بل يتعلق بذكرى كئيبة ترسم ملامح الخزي والعار والاشمئزاز على الامبريالية العالمية الحاكمة والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع الدولي بأسرها كالأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الانسان وكل هذه الترهات التي تم انشاؤها لأهداف خسيسة وخبيثة   ولكن للأسف فهذه السخافات تنطلي على الكثير منا حتى على بعض من لانشك في اخلاصهم وصدق نواياهم وحتى لا نسهب في المقدمة 
ففي  هذا الشهر من كل عام تمر ذكرى مجزرة سبرينتسا  وهي بلدة بوسنية كانت الامم المتحدة قد اعلنتها  منطقة آمنة فلجأ اليها الالاف من مسلمي البوسنة فرارا من الحرب البوسنية من 1992 الى 1995، الا ان جيش صرب البوسنة اجتاحها في يوليو 1995 متجاوزا القوة الهولندية فيها.
 وكانت تلك المجزرة  هي الواقعة الوحيدة في حرب البوسنة التي اعلنتها محكمة الامم المتحدة ابادة جماعية.فتخيل أن تعترف الأمم المتحدة التي تواطئت على قتل اللآجئين الفارين من الموت بمعرفة الجيش الصربي تخيل أن تعترف بأن ما حدث لهم هو عملية إبادة جماعية رغم أنه تم تحت سمعها وبصرها وبمباركتها كما دلت كل الشواهد بعد ذلك , وكانت محصلة القتلى في ذلك الاجتياح عدد 7000 انسان مسلم بين امرأة وطفل وشيخ ورجل غير مسلح وليت الأمر قد وقف عند حدود القتل لكانت المسألة هينة ولكنه تعداها إلى جرائم بشعة من اغتصاب وحشي جماعي وبقر بطون الحوامل والتمثيل بجثث الموتى وقتل للأطفال أمام ذويهم والعكس وهذه المجزرة البشعة ما هي إلا قطرة دم في بركة متلاطمة الأمواج من الدماء البوسنية تلك البلد التى أبى المجتمع الدولي المتحضر صاحب مؤسسات حقوق الانسان والامم المتحدة أن تكون بلد مسلمة في قلب اوروبا لها سيادة ونفوذ فقام بالتواطؤ مع  الجنرالات  للقيام بهذه المهمة البشعة في مقابل محاكمات صورية ماسخة بعد مرور سنوات طوال لاطعم لها ولا رائحة ولا ضابط لها ولا رابط ذراً للرماد في العيون وحتى يجد المتشدقين باسم الحريات ومدعيي حقوق الانسان ملاذاً إذا ما ووجهوا بتلك الجرائم فيكون هناك رد بأن المتسببين في تلك المجازر قد حكم على بعضهم بالسجن في محاكم جرائم الحرب في لاهاي وهكذا يستمر مسلسل الإضلال العام 
إن ما حدث  ومثله كثير ويحدث يومياً وربما لايلقى عليه الضوء .. يجعلنا نعيد النظر مراراً في ما يحدث لنا على أرض الواقع فما سر الحملة الشرسة على كل اتجاه يعلن مرجعية دينية ؟؟ وما هي قرائتك للأخبار المتكررة  عن دعم اوروبا وأمريكا للديمقراطية في مصر في المرحلة المقبلة ؟؟ وكيف ستدعم أمريكا الديمقراطية ؟؟ وما هي الخيارات القادمة أمام الإمبريالية الامريكية الاوروبية بخصوص مصر والمنطقة في المراحل المقبلة ؟؟ وما هو سر الإعلام الموجه المضلل الذي يستهدف النيل من كل اتجاه يتعلق بالدين سواء بالتهميش او التشويه أو التركيز على الأخطاء وإن كانت حقيقية وغض النظر في ذات الوقت عن كوارث وفضائح الاتجاهات الاخرى حتى بات العامة يراها طبيعية وبات في ذات الوقت يهاجم الفصيل الإسلامي باعتباره "هيودي البلد في داهية لو مسك " مما يدل على ضحالة الفكر وانعدام النظرة التاريخية حتى على مستوى المثفقين وبعض الوطنين المخلصين للأسف !! كيف ترى المنظمات الحقوقية التي لايسمع لها صوتاً عند منع مرأة منتقبة من دخول اماكن معينة أو رجل ملتحي من ارتياد مكان ما أو عند منع محجبة من الظهور في وسائل الإعلام او من العمل في وظيفة ما  أو حتى قتلها كما حدث في المانيا أو عند اختطاف مرأة واحتجازها تحت سمع وبصر الجميع , وفي ذات الوقت تقيم الدنيا ولا تقعدها عند حدوث حادث عرضي متكرر أو حتى جريمة قانونية وصبغها بصبغة الاضطهاد أو التمييز ؟؟
من فضلك قبل أن تتبنى رأي ما أو وجهة نظر ما انظر حولك واسأل نفسك هل هذا الموقف يعبر عني حقاً أم أن شخصاً ما يقودني بوسيلة ما إلى وجهة نظر ما ويحاول تضليلي عن وجهتي الأصلية بطريقة  أخرى ؟؟؟ " وبعيداً عن نظرية المؤامرة  أو التخوين أو النظريات الدفاعية ومن فضلك متقولش انا ناصح وعارف ان تفكيري  صح " فمن هنا يأتي الخطر

ما علينا 

يشارك الالاف في مناسبة تشييع جنازات أخرى لموتى في مقابر جماعية تم اكتشافها مؤخراً وذلك  في مقبرة بوتوكاري.
وتم حفر قبور جديدة للضحايا الـ775 لينضموا الى حوالى 4 الاف مدفونين هناك بالفعل .. تذكر هؤلاء وادعو لهم فهم اخوانك بالفعل مش اخوات بلاستيك 

وسار المشيعون بين صفوف النعوش بحثا عن ذويهم

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"صدق الله العظيم "إياك أن تشارك الظالم

إياك والظلم فالظلم ظلمات يوم القيامة