المراحل الانتقالية لها طبيعة خاصة جداً تتميز بالفرز والانتخاب والعشوائية والصدفة وأحياناً كثيرة تدخلات القدر الغير متوقعة
لذلك فعند النظر لما يجري من حولنا خلال الشهر الأخير ستجد الكثير والكثير من المتناقضات الناس كلها أصبحت لاهم لها إلا التحليل السياسي وبقدرة قادر بعدما كان الشاغل الأكبر هو الكرة والفن ولقمة العيش وبنفس الطريقة أصبح معظم الناس من مؤيدي الثورة "بالطبع بعد نجاحها " على الرغم من أنه حتى خطاب التنحي الرئاسي لم يكن الناس على قلب رجل واحد هكذا أو مع الثورة بتلك الصورة , ولكن أما وأن الثورة قد نجحت فقد انضم العوام إليها وهذا مطلوب وهو المراد ولكن مع العوام انضم اليها المنافقين حتى معلومي النفاق بالاسم والصوت والصورة وهم لايخفون على عاقل وكذلك انضم اليها الساكتين حتى تظهر النتائج وهم كثير أيضاً , ولكن المثير للاهتمام أن هناك الكثير من الناس لهم رأي واحد لا يتغير وهو يتلخص في هذه العبارة "كفاية كده المكاسب التي تحققت كثيرة ومش عاوزين نعمل مشاكل ونبوظ الدنيا" أصحاب هذا الرأي كانوا هناك بعد الاقالة الصورية للحكومة في الخطاب الأول للرئيس المخلوع وكانوا هناك بعد الخطاب الثاني الموجه لربات البيوت والعاطفيين ذوي الذاكرة المعدومة وكانوا هناك قبل التنحي وبعده وعند كل بيان للمجلس العسكري وعند كل خطوة ايجابية تتحقق وهو المثير للعجب... ألا يمكن لهؤلاء فهم الواقع ؟ ألا يمكننا رؤية الأمور على حقيقتها لهذا الحد ؟ هل نجح النظام في زرع الخوف والرؤية الضبابية ونزع الأمل والحلم من ضمائرنا حتى صرنا نرضى بأنصاف الحلول والنجاح الجزئي المهدد بالفشل حتى ونحن في أشد مراحل القوة والتأثير ؟؟؟؟؟
هل يخفى على هؤلاء أن كامل النظام التنفيذي لايزال يعمل بكفاءة ولاتزال الرشوة والمحسوبيات والتلوث والغباء والزحام منتشر بنفس الآليات القديمة وأنه لو لم يتم القضاء الكامل على النظام البائد ومطاردته حتى آخره سيعود بقوة القصور الذاتي للعمل من جديد وسوف ينتخب النظام نفسه من يقود زمامه من جديد ويحفظ له استمراريته بل ويكون مناعة جديدة كالفيروسات ضد الخبرات القديمة التي شكلت عليه خطراً في وقت ما؟
لابد من دعم كل صور التغيير ومظاهر الثورة حتى تنتصر في الحرب وليس في المعركة فالحرب عدة معارك والفوز في أحدها لايعني الفوز بالحرب , فالخبرة التاريخية تصرخ بأن الحذر واجب فكم من معركة تحول انتصارها المؤزر إلى هزيمة نكراء وكم من مرة غافل العدو صاحبه وعاد واسترد قوته , لابد من وعي كامل بطبيعة المرحلة وفهم جزئياتها والتصرف بناء على الوعي ... وليس الأماني
بالنظر إلى الشقيقة ليبيا وما يحدث فيها نجد ان السياق العام للثورات العربية يتعالى ايقاعها ويزداد صعوبة وضراوة مع الأيام فنظام بن على تهاوى وترنح بعد معركة متوسطة وكفاح وخسائر لها قيمتها المادية والمعنوية ولكن بجهد معقول , في حين أن الايقاع والخسائر والوقت تزايد في مصر واشتدت وتيرة العنف والصلف والغباء للنظام وزاد عدد الشهداء والجرحى والمفقودين وكاد الجيش أن يتدخل لصالح النظام لولا الرحمة الالهية ثم تدخل العقلاء من الجيش في الأحداث , وبالنظر لليبيا نجد السيناريو الأسوء قد حدث وبدأ الجيش في ضرب الشعب بل واستعان بالمرتزقه والعملاء في سحق الثورة ووصفهم بنفس الصفات .. القلة المندسة والعملاء والجرذان ووصف نفسه بأنه ليس كالذين سقطوا ليستكمل نفس المشاهد بكل تفاصيلها ولكن بمزيد من الغباء والخسائر لتتضح الصورة جلية حقيقية تماماً
هؤلاء لم يكونوا هنا كحكام أبداً .... هؤلاء كانوا هنا كرعاة حصريين لمصالحهم الشخصية ثم لربهم الأعلى المتمثل في ولي نعمتهم كل بحسب توجهاته سواء للقبلة الأمريكية أو الأوروبية أو الاسرائيلية أو لكلهم معاً ... وعند السقوط يتهم شعبه بالتهمة التي طالما حاول في قرارة نفسه أن يبرأ نفسها منها حتى صدقها وحده .... العمالة والخيانة والنهب والسلب والقتل والقمع ... صورة مهداة لباقي الأنظمة
بسم الله الرحمن الرحيم
"قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا"
صدق الله العظيم