الخميس، مايو 20، 2010

مقال يجب قراءته للأستاذ فهمي هويدي


المقالة التالية للأستاذ فهمي هويدي يجب قراءتها بعناية لأنها تمثل توصيف دقيق لأسلوب النظام في التعامل مع الأمور ومع الناس بوجه عام فهذا الأسلوب المتبع هو طريقة التعايش مع الشعب من قديم الازل ويمكن اختصار الحالة في جملة على لسان النظام  "كيف تنفذ ما تريد في أبشع صورة ممكنة"


أ / فهمي هويدي :



ليست المشكلة في تمديد العمل بقانون الطوارئ، ولكنها في الإصرار على التلاعب بالقانون واستمرار استغفال المصريين بذرائع شتى تطلق كل حين.



(1)



يوم 14 مايو/أيار الذي أبرزت فيه الصحف المصرية موافقة مجلس الشعب على تمديد القانون لمدة سنتين، مع التأكيد أن تطبيقه سيكون مقصورا على مكافحة الإرهاب والاتجار في المخدرات، نشرت جريدة "الشروق" على صفحتها الأولى خبرا كان عنوانه كما يلي: أوامر باعتقال مرشحي الإخوان إذا أصروا على الشعارات الدينية. وذكر الخبر أن وزير الداخلية أصدر أوامره إلى مساعديه باعتقال المرشحين لانتخابات مجلس الشورى الذين يرفعون شعارات طائفية (المقصود شعار: الإسلام هو الحل).



لم يكذب الخبر أو يصحح، لكنه مر دون أن تستوقف أحدا المفارقة الموجودة فيه، ودون أن يتساءل أحد عما إذا كان رفع ذلك الشعار يدخل أم لا، ضمن الإرهاب أم جلب المخدرات. لكن الأهم من ذلك أن المفارقة تجسد الكيفية التي توظف بها الحكومة قانون الإرهاب، كما أنها تكشف المسافة الشاسعة بين الإعلان السياسي الذي استهدف تمرير القانون بعبارات منمقة وتعهدات مغرية، وبين التطبيق العملي الذي لا يبالي بكل ذلك، بحيث تطلق يد السلطة في أن تنكل بالمعارضين وتقمعهم.



في اليوم ذاته أجرى رئيس تحرير إحدى الصحف المستقلة اتصالا هاتفيا مع صديق من كبار رجال القانون، وطلب منه تحليلا للآثار المترتبة على التمديد في ظل الإعلان عن اقتصاره على حالتي الإرهاب وجلب المخدرات، فما كان منه إلا أن اعتذر عن الاستجابة لرغبته، قائلا إن تلك الخطوة لا علاقة لها بالقانون لأنها بمثابة عبث سياسي يستخدم القانون لاستمرار احتكار السلطة وإحكام القبضة على المجتمع.



وكانت وجهة نظره -كما سمعتها منه في وقت لاحق- أن الرئيس مبارك كان قد أعلن على الملأ أن مصر هي الدولة الوحيدة المستقرة في المنطقة التي انتصرت على الإرهاب، وأن رئيس الوزراء الحالي ذكر أمام مجلس الشعب أن مصر تنعم الآن بالاستقرار. كما أن أحدا لا يستطيع أن يقول إن في مصر ظاهرة إرهابية، فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن المشكلة أصبحت فجأة تهدد المجتمع الآن وأن الإرهاب هو القضية؟!



في الوقت ذاته فإن في مصر قانونا خاصا للمخدرات يصل بالعقوبة إلى حد الإعدام في بعض الأحيان، وإذا صح أن قانون الطوارئ سيطبق على من يجلبون المخدرات ويصدرونها، فعلى من إذن سيطبق قانون المخدرات الأصلي؟ ثم إن المخدرات أصبحت مشكلة عالمية، ولم نسمع أن بلدا اضطر لإعلان الطوارئ في تعامله معها.



(2)



الاستغفال والتدليس واضحان في مفهوم "الطوارئ". ذلك أن المصطلح في تعريفه القانوني يعبر عن الحالة التي تفاجئ المجتمع، دون أن يكون مستعدا لمواجهتها بتنظيم تشريعي محدد، إذ في هذه الحالة يكون إعلان الطوارئ مخرجا لمواجهة تلك المفاجأة الطارئة. لكن هذا المفهوم انقلب عندنا بحيث تحوّل إلى قانون وإجراءات استثنائية فرضت وطبقت للتعامل مع أوضاع المجتمع العادية والطبيعية، إذ لا يستطيع عاقل أن يدعي أن مصر ظلت تعيش المفاجآت طوال الأعوام الثلاثين الماضية. وحتى إذا قيل إن الإرهاب كان شيئا طارئا هز المجتمع المصري وروعه، فإن هذه الظاهرة عالجتها أيضا تعديلات أدخلت على قانون العقوبات عام 1992، وتضمنت نصوصا غاية في الشذوذ والغرابة، اعتمدت على تطوير مواد قانونية أصدرها الدكتاتور الفاشي موسوليني في إيطاليا عام 1930، وهو ما يعني أن التعامل الحازم مع ملفي الإرهاب والمخدرات له مرجعيته الثابتة في قانون العقوبات المصري، ولا يحتاج إلى إعلان الطوارئ ولا إلى إصدار قانون جديد للإرهاب.(للعلم فإن قضية خلية حزب الله التي صنفت ضمن قضايا الإرهاب حوكم المتهمون فيها أمام القضاء العادي وصدرت أحكامها المشددة دون أن تخضع لقانون الطوارئ).



وطالما كان التعامل مع الإرهاب ومكافحة المخدرات تتكفل به النصوص الموجودة أو التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات، فإن التذرع بها لفرض الطوارئ يغدو نوعا من التدليس، كما قال بعض القانونيين بحق. والأهم من ذلك أنه يدل على أن ثمة هدفا آخر أبعد يراد تحقيقه من خلال فرض الطوارئ، يتمثل في استمرار احتكار السلطة وإطلاق يدها في إجهاض أي بديل لها وسحق أي معارض يعترض طريقها.



في الدراسة التي أعدها المستشار طارق البشري حول الموضوع بمناسبة مرور 60 عاما على إعلان الأحكام العرفية في مصر، واقترح الاحتفال بعيد الطوارئ على غرار الاحتفال بعيد الدستور، سجل أكثر من ملاحظة مهمة على الوضع القائم:



- منها أن مصر شهدت تلازما وتعايشا مدهشا بين أمرين متناقضين: أحدهما الطوارئ التي تنفي الدستور، والدستور الذي ينفي حالة الطوارئ، بحيث لم يعد يعرف أيهما الأصل وأيهما الاستثناء.



- ومنها أنه خلال ثلاثة أرباع القرن المنقضي (من عام 1923 حتى الآن)، صدرت ثلاثة قوانين للأحكام العرفية والطوارئ وستة دساتير وبيانان دستوريان، بحيث بدا أن الطوارئ أكثر ثباتا من الدستور.



- ومنها أن إعلان الطوارئ في مصر تزامن عادة مع أجواء انتهاء الحروب (الحرب العالمية الثانية، حرب فلسطين، العدوان الثلاثي، ثم بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل)، لكنها منذ أعلنت عام 1981 ظلت مستمرة إلى الآن، الأمر الذي يعني أن الطوارئ أصبحت حالة ملازمة للسلم، بل وملازمة للدستور وأكثر أصالة منه.



(3)



للمستشار السابق سمير حافظ دراسة في الموضوع ركزت على أزمة القانون في مصر والتي وصفها بأنها "خانقة". وفي رأيه أن بعض النصوص والتشريعات التي تصدر تحولت إلى أدوات في يد السلطة توظف لأغراض معينة، الأمر الذي يفقدها شرائط القانون ومضمونه وإن اتخذت شكل القانون. وهو المسار الذي بدأ منذ رفع شعار "الشرعية الثورية" قبل نصف قرن، والتي كانت تعني أن إرادة الحاكم هي القانون. ثم رُفع في مرحلة تالية شعار "الشرعية القانونية ودولة المؤسسات" الذي أثبتت التجربة أنه مجرد تغيير في المسمى وليس المضمون، وتبين أن الهدف من التشريع في تلك المرحلة إحكام قبضة الحاكم وتفرده بالحكم، حتى وصفت تلك المرحلة بأنها سيادة بالقانون وليست للقانون.



هذا الوضع استمر حتى الآن، وتجلى في التعديلات التي أدخلت على العقوبات، خصوصا تلك التي تمت عام 1992 بدعوى مكافحة الإرهاب ولم تكتف بالأحكام المشددة المنقولة عن قانون موسوليني سيئ الذكر، وإنما مارست العصف بكل القواعد الجنائية المسلم بها، فساوت في العقوبة بين الشروع والجريمة التامة رغم ما بين الحلقتين من تباين تقره كل القوانين. ولا يقل غرابة عن ذلك أن التعديلات خرجت على أحكام قانون العقوبات، واعتبرت التحريض جريمة كاملة وعاقبت عليها، حتى إذا لم تقع الجريمة محل التحريض(!)



أما الأشد غرابة فإن التعديل توسع في تعريف الإرهاب بما يفتح الباب لمحاكمة أي معارض أو أي شخص غير مرضي عنه بتهمة الإرهاب، إذ عرّف بأنه: كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجاني.. بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات والمواصلات، أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة.. أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل الدستور أو القوانين أو اللوائح.



هذا النص الهلامي يهدر مبدأ ضبط النصوص العقابية، إضافة إلى أن من شأنه تجريم الحق الدستوري الذي يسمح بطلب التغيير بالوسائل السلمية. ثم إن عبارات مثل سلامة المجتمع والإضرار بالبيئة والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، تتسع لتجريم أي صورة من صور السلوك الإنساني، بل وتتجاوز تجريم السلوك إلى تأثير النوايا. وبسبب هذه الثغرات فقد تم الطعن على هذا النص بعدم الدستورية عام 2003، ولم يفصل في ذلك الطعن إلى الآن!



(4)



كل ذلك ليس كافيا في نظر أهل السلطة، الذين باتوا يعلقون إلغاء قانون الطوارئ على الانتهاء من قانون الإرهاب، الذي يراد له أن يضيف المزيد من التوسع في التجريم والمزيد من الخروج على القواعد العامة في شأن الأحكام المتعلقة بالمساهمة الجنائية والأحكام المتعلقة بالشروع في الجريمة، وهو ما لا يبعث على الاطمئنان أو التفاؤل.



يؤيد ذلك أنه في عام 2008 نشرت بعض الصحف 15 مادة مقترحة لمشروع قانون الإرهاب، جاءت مطابقة للآراء التي أيدها في الموضوع الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية ورئيس اللجنة المكلفة بإعداد المشروع، وهو ما دفع أستاذ القانون الدكتور محمد نور فرحات إلى القول إن المشرّع المصري تحت ذريعة مكافحة الإرهاب يتجه إلى حرمان المصريين من الحريات المنصوص عليها دون إذن قضائي مسبق، اكتفاء بما يسمى الرقابة القضائية اللاحقة، وتشمل هذه الحقوق الحرية الشخصية وحرية السكن وحرية المراسلات والاتصالات وغيرها (الدستور 29/2/2008).



ولأن الأمر كذلك، فلا يختلف أهل الذكر على أن قانون الإرهاب لا يراد به إلا تأبيد حالة الطوارئ، وإضفاء الصبغة القانونية الدائمة عليها، بحيث يتحول الهم الاستثنائي إلى هم أزلي، وهو ما يدعونا إلى القول بأنه إذا كان ذلك هو الإصلاح السياسي، فاسمحوا لنا أن نعلن على الملأ أننا نعتذر عنه، لنطالب ببعض "الإفساد السياسي" الذي يخفف عنا وطأته

الثلاثاء، مايو 04، 2010

المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول


كان منزله في تلك البنايات الضخمة المتوالية حديثة البناء . هناك وُلد و نما, هناك عاش عمره كله تقريبا ً , منذ عشرين عاما هي عمره .. لم يخرج من هذا المحيط الواسع او لنقل انه لم يحتج يوماً أن يخرج من هذا المحيط الواسع... دائما ستجد كل ما تتمناه في حيازتك ..المسكن.. المتجر.. المنتزة..المدرسة..الجامعة , حتي العمل لم يخرج يوما عن هذا النطاق الواسع...او لنقل الضيق .

في هذا المسكن ولد منذ عشرين عاماً..كان والداه (للمصادفة) قد التقيا في (المول)... و بعد فترة من الزمن تزوجا هناك ايضا و جاء هو الي الحياة داخل هذه الابنية المتراصه حيث كل ما تحتاج إليه تتمناه ستجده و اكثر..ماذا تريد ؟؟ ستحصل علي كل ما تريده... ستحصل علي الصحبة... ستحصل علي المعلومات... ستحصل علي المال... ستحصل علي الثراء... ستحصل علي المجد , بشرط واحد.. و كان هذا الشرط قاسياً جداً لكنه يستحق( كما ترون)... و كان الشرط الا تغادر (المول) .. و لماذا تغادره.. علي ماذا ستحصل في الخارج... انك هنا في امان من الحمقي في الخارج حيث تنتشر السرقات...المجاعات...الفقر...و الاغبياء في كل مكان... اذا اردت ان تري ما يحدث في آخر العالم ستراه من هنا... اذا اردت ان تدخل غرفة نوم زعيم عصابات المافيا ستدخل.. من هنا.. لكن بشرط .. الا تغادر... بالطبع وافق صديقنا فعرض كهذا لا يرفض (من وجهة نظره)... لكنه بعد ان اتم عشرين ربيعاً أحس بالوحشة .. كاد يعدل عن رأيه اكثر من مرة و لكنه كان دائماً بالمرصاد... ماذا تريد؟؟ ... كان صوتُُ يتردد في اعماقه.. ماذا تريد؟؟... فلا يجد جواباً علي هذا السؤال... و يعود فيواصل السير.. و بعد ان اتم دراسته في جامعة (المول) , احسّ انه علي مشارف عصر جديد ... سيحدث تغيراً جِذرياً في حياته...لابد أن يتحرر من هذا (المول) الذي يفرض سلطانه عليه عنوة ..و لكن السؤال ظل يتردد داخله... ماذا تريد؟...و كانت هناك اجابات علي تلك الاسئلة هذه المرة ...اريد عملا...اريد ان اتزوج... اريد سكناً مستقلاً... اريد ان انطلق... و هنا ترددت ضحكات (المول) في الارجاء... و ما إلا لحظة حتي صفق كجني المصباح لتظهر آلاف الوظائف الشاغرة في (المول)... ثم يصفق مرة اخري فتظهر الاف الفتيات من كل الانواع و الاصناف و ما عليك الا الاختيار يا سيدي (ان رواد المول باعداد لا تحصي) ... ثم ما عليه اخيراً الا ان يصفق فتظهر.. مئات المساكن في الجوار.. و ما عليك الا الاختيار يا سيدي... و لكن بشرط... و انت تعلم الشرط... لم يكن هناك بُدّ من مواصلة الحياة .. فالحياة تمضي علي اي حال , و لقد حاول كثيرأ علي ان يعتصر عقله يحثا عن سبب للهرب.. و لكن عقله دائماً كان يخذله.. هل هناك سبب حقيقي للخروج ام انها الرغبة الدائمة في الممنوع ؟؟ .. هكذا كان يقول لنفسه دائماً قد تكون هذه هي افضل الطرق للحياة.. قد يكون هذا افضل الاماكن.. ما الذي ينقصني ؟؟ لقد حصلت علي كل شئ... لكن هناك علي بعد الاف السنوات الضوئية في داخله كان هناك كيان يصرخ ... كان يطالبه بالخروج... لكنه كان عاجزاً عن تقديم اي تفسير او سبب لتلك الرغبة ... كانت نفسه تتوسل اليه ان يخرج ... ولو لمرة واحدة... تُري ما هي رائحة الهواء بالخارج ؟؟... تري ما هو طعم الطعام بالخارج ؟؟... تري من هم هؤلاء الاغبياء و الحمقي؟؟ .. (هؤلاء)الذين يعيشون بالخارج... ما هو شكل الحياة خارجاً؟؟ ... أعياه السؤال و لكنه في كل مرة كان يظل علي نفس الحال ... كان المول قد خط خطوطاً حمراء لا يجوز لرواده ان يجتازوها أبداً .. كانت هناك قوائم بأسماء (الزوار) ... وكانت هناك قوائم باسماء (النزلاء).. و كانت هناك قوائم بأسماء (العاملين)... و أخرى بأسماء (المٌلاّك).. و كان يحكم قبضته علي الجميع و كان نفوذه يزداد يوماً بعد يوم ... كان يسلب الناس ارادتهم باختيارهم و كان يسلبهم حرياتهم بحرياتهم المزعومة و كان يطعمهم طعامه برغبتهم و عن طيب خاطر منهم.. لانه دائماً كان يملك المقابل ... ان لكل شئ ثمنه بلا شك..و لكن هل تستطيع انت ان تدفع الثمن؟؟ ..هو يستطيع ان يدفع الثمن و بسخاوة لانه يملك ان يسلبك مالك بارادتك او قهراً علي السواء.. هو يصنع لك طعاماً ... و انت تأتي لتأكله.... هو يأتي بالممثلين و انت تأتي لتشاهد و طبعا كان هناك دائما الثمن.. هو يعلم ما هو ثمنك لذلك فهو يحصل عليك .. يحصل عليك بدون مقاومة منك ... و هكذا صارت الحياة بصديقنا ...في الليل انجب صبياً آخر في المول... فرح المول به جداً فهذا هو(الجيل) الثاني من اجيال (المول) ... هكذا سيُكوّن مستعمرته... لكن صديقنا كان له رأي آخر...كان الشئ الذي يصرخ بداخله ... و الذي ظن انه مات علي مدار الزمن... قد بُعث من جديد... بُعث مع ولادة ابنه الصغير... عندما رأه لأول مرة احسّ ان الشئ الذي كان يناديه من داخله و يطالبه بالهرب ... هو ذلك الشئ الصغير الذي يبكي امامه الآن ... و هنا كان صديقنا قد قرر شيئاً هاماً ... قرر ان يهرٍب ابنه من (المول) ... ان كان قد فشل هو في الخروج منه فلن يحدث لابنه نفس المصير ... كان قد اتخذ القرار واعدّ الخطة و حزم امره... و استعد للمواجهة ... و كان يعرف القواعد... الثمن ... ما هو الثمن؟؟ ... ماذا سيطلب منه مقابل خروج ابنه منه ؟؟ ... ان لكل شيء ثمناً و تلك هي القاعدة ... ما هي الاسباب؟؟ .. ما هي الدوافع؟؟.. ما هي المبررات؟؟.. كان لابد من الاعداد الجيد ... و لكن تحت اي ظرف لم يكن ليسمح لذلك ان يحدث مجدداً يجب ان يخرج ابنه من (المول) ...

- ايها (المول) ماذا تريد في المقابل ؟... ما هو الثمن الذي يجب ان ادفعه حتي يخرج ابني منك ... ترددت الكلمات في ارجاء المكان و صار الحدث هو حديث المجتمع في تلك الاوساط ... لماذا تريد ان يخرج ابنك من (المول)؟؟

- .. اريد ان يتحرر من هذا الاسر.. اريده ان يحيا الحياة التي لم احياها .. اريده ان يعرف بشراً أخرين .. يري وجوهاً أخري ... اريده ان يري الصحراء حيث هي .. لا اريد الصحراء ان تأتي اليه .. اريده ان يري الحقول و الانهار و المحيطات ... لا اريدها اوهاماً علي شاشات المول الحمقاء ... اريده ان يحيا حراً ... لا ان يكون كحيوانات الاسر .. اريده ان يصنع طعاماً ... اريده ان يبني بيتاً ... اريده ان يزرع قمحاً ... اريده ان يستنشق هواءً حقيقياً لا صناعياً ... لا اريد له حياةً (بلاستيكية ) كحياتي ... تردد في الاوساط... ان هذا الرجل قد جُنّ و انه يهذي بكلمات غير مفهومة .. كلمات قد مضي عليها دهورُُ... كان يتكلم عن اشياء مبهمة ... لهذاكان يجب ان يحاكمه (المول) ... لماذا تتمرد علي (المول) ؟؟ ... اهذا هو جزاء الاحسان اليك؟ ... كل ما طلبته حققناه ... كنت تريد عملاً و وجدت ... كنت تريد بيتاً و وجدت ... كنت تريد زوجة و وجدت ... لماذا تتمرد الان؟؟ ... اهذا الصبي هو السبب ؟؟... لماذا لا تتركه يحيا حياة هنيئة كحياتك ... لماذا تحجُر علي اختياره ... لماذا تختار انت له حياة لا يعلم عنها شيئاً ... هل تدري ماذا في الخارج ايها المغفل ؟؟... لا شئ ... لا يوجد اي شئ في الخارج ... لقد تمدد (المول) كثيراً في الفترة الاخيرة ... لقد ابتلع كل الارجاء ... توسعت حدوده .... ابتلع (المول) المكان من حوله حتي صارت حدود (المول) بلا حدود ... اين تريد ان يذهب ابنك ؟؟ ... الي مول آخر؟؟ ... ما الفارق؟؟ .. هل تريده ان يبتعد عنك؟؟ ... هل هذا ما تريد ؟... ان (المول) هو (المول) هنا... هناك... انت لا تعي ما يجري في الخارج ... لقد صار المول هو وطنك ايها الاحمق...هل تريد ان تتحرر من وطنك ايها الخائن ؟ ... فكَر جيداً ... و اتخذ القرار... انت حر كما هو الحال دائماً ... انت حر ... تريد ان يخرج ابنك ؟... او حتي تخرج انت ؟... يجب ان تدفع الثمن ... و انت تعرف الثمن ... كلهم هنا يعرفون الثمن ... سكت الرجل طويلاً ... ثم اطرق برأسه و عاد الي الداخل مقهوراً ... كان ينظر الى ابنه الصغير ...ويبكى معه طويلاً.... ليتك تستطيع أن تدفع الثمن .. أنا فقير جداً كى ادفع الثمن ..لااملك شيئاً ...كل شىء يلقى الىَ هنا ..كم أنا فقير ...ليتك تستطيع أن تدفع الثمن... وكان المول ينظر اليه ويضحك فى شماتة وازدراء.