كل عام وأنتم بكل خير وعافية وسداد ...كل عام وأنتم ممن يحصدون الحسنات المضاعفات في رمضان ويستمرون على دربه بعده ... كل عام وأنتم جميعاً بأتم صحة وعافية وعفو من ربكم ... كل عام وقد قرت أعينكم في الدنيا بما ومن تحبون وفي الآخرة بما تأملون .
بعد هذه المقدمة (العصماء) والخطبة الزهراء .... فقد فكرت (قليلاً) فيما قد يكتب في هذه المناسبة فلم أجد فأنتم ولكم جميعاً الشكر قد غطيتم كل الجوانب ولم تتركوا لأحد مقال ... فمنكم من تكلم عن الأحكام ومنكم من تكلم عن الإستعداد والإعداد ومنكم من تكلم الإستقبال ومنكم من تناول الذكريات وجعلنا نتنسم عبق وأريج رمضان فلم أجد إلا أن أتناول معكم بعض النقاط من هنا وهناك كنوع من الحوار الفردي عسى أن يكون هناك تذكرة ينتفع بها أحدنا
أجمل ما في رمضان أنه فرصة للإقلاع عن الذنوب ...حيث أن هناك الكثير من الأعمال في الأجندة اليومية للمسلم من العبادات ولكن هناك ملحوظة غريبة لاحظتها في رمضان ...تأملها معي من فضلك
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:
قلت: يارسول الله لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر تغفل الناس فيه، بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
قلت: يارسول الله لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر تغفل الناس فيه، بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
رواه النسائي.
الملحوظة الغريبة هي أن الشيطان ينشط جداً فيما قبل رمضان ويصل لذروة نشاطه في شعبان لعلمه بأن التقرير السنوي يكتب ويرفع في شعبان فيحاول إفساده بشتى الطرق والسبل لعلمه بأن الأعمال بالخواتيم ومهما كانت اجتهاداتك في أول الأمر ...إن لم يختم لك بالخير فالعمل كأن لم يكن ... لذلك فقد وصفه النبي بالشهر الذي يغفل فيه الناس وقابل صلى الله عليه وسلم هذه الغفلة بالنشاط والعمل الزائد عن ما قبله من الأيام ... وأصبحت أرى الشيطان فيما قبل رمضان رأي العين .... الأفلام والمسلسلات والفيديوكليب والسحور الراقص والإفطار العائم ومن ينادي على الزبادي ...الخ ... حتى إذا جاء رمضان اندفع الناس في أوله لبعض الطاعات بحكم الغربال الجديد ثم فترت الهمة وتثاقلت العزائم إلى الأرض وخلت المساجد وراجت الفوازير والمسلسلات والماتشات والأكل حتى آخر نفس والشرب حتى الثمالة (وأنا أول الشاربين) كل هذا بسبب أن الشيطان قد ربى وكبر وهنن وطبطب ودلع فكان له الأثر الأكبر وإن اندفع الانسان بفعل الفورة الأولى للطاعة فسيعود بحكم القصور الذاتي الى مستنقع الرتابة والمسلسلات والفيديوكلب
الملحوظة الثانية أن هناك ذنب كثيراً ما نقع به في رمضان (أتحدث عن نفسي) بحكم كثرة التجمع والزيارات وملاقاة الأصدقاء وهو ذنب عظيم قد يحبط أكبر الأعمال وزناً وأعظمها أجراً وهو الغيبة والنميمة ومجالس الأنس والسخرية والضحك وقعدة القهاوي والليالي وما أجملها من ليالي.... قلما يخلو مجلس أو تجمع من هذا الذنب الذي إن لم يكن هناك غيره لكفى به إثماً مبيناً
أذكر أننا كنا في الجامعة في مثل تلك الأيام وكنا قليلاً ما نجتمع لأننا كنا قليلي الحضور في الجامعة بحكم أننا مكناش بنفهم من دكاترة جامعة الأزهر فكنا نروح عين شمس أو القاهرة أو الجامعة الأمريكية حيث الفهم الصحيح للقواعد العلمية وكنا لايحلو لنا الانس إلا في رمضان حيث اليوم الدراسي قصير ومعظم الطلاب والمدرسين والدكاترة من الأقاليم وهم حريصون على السفر في تلك الأيام المفترجة وكان لنا ملاحظات على بعض الطلاب منها أن كثيراً منهم بعد الخروج من الحمامات يقوم بإدخال القميص في (الأندر وير) ثم يخرج إلى الحياة وبفعل الجاذبية الأرضية ينزل البنطال شيئاً يسيراً فيظهر الأندر(جروند) بحكم تعلقه بالقميص في مشهد كنا كثيراً ما يثير ضحكاتنا وسخريتنا ... ولكن لأن الجزاء من جنس العمل (وأنا بالذات باخد اللي فيه النصيب في ساعتها) كان هناك لقاء رياضي بين الجامعات ومقره في الجامعة الأمريكية بالتحرير وكنا متفوقين رياضياً وذهبنا للقاء وبعد فترة سمعت ضحكات أصدقائي وقهقهتهم بهيستريا أثناء المسابقات وبعد اللقاء سألتهم عن سبب الضحك فقالوا لي أنني قد أدخلت الفانلة في الأندر جروند وقد ظهر طوال المسابقة في شكل فكاهي آثار إعجاب الحضور ... فتعجبت من تصاريف القدر ففي هذا الوقت كنت على استعداد أن أمشي ذهاباً وإياباً في جامعتي حتى بدون أي (إضافات) ولا يحدث معي هذا الموقف في الجامعة الأمريكية بالقاهرة... ثم ظلت هذه الذكرى الحزينة عالقة في ذهني بسخريتنا من زملائنا وضحكاتنا عليهم فكان جزائي من جنس العمل ولكن أشد وأنكى .... حتى أنني كنت كلما شاهدت زميل يفعل هذه الفعلة الشنعاء ألفت نظره بهدوء فالبعض يعدل من وضعه المأسوي والبعض يمضي لحاله غير عابىء بكلماتي والبعض ينظر لي بازدراء واضح كأنني أنا من أدخل قميصه في أندر ويره ... ثم لم أعد أهتم بالأمر بعد ذلك لكثرة اعتيادي عليه ولكن ظلت الذكرى والدرس المستفاد بعدم السخرية من أحد وكذلك عدم دخول الحمام وإدخال أي شيء في غير مكانه الطبيعي
هناك درس أحاول أن أتعلمه في رمضان وهو درس متكرر يومياً وأفشل في أن أتعلمه يومياً ... ففي كل يوم أقرر أن لاآكل حتى الإمتلاء حتى أستطيع الوقوف في صلاة التراويح بدون وخم وكسل ولكن هيهات فالحر والجوع يعملان في جسدي عمل السحر الأسود وأظل أذكر نفسي بالصلوات فلا أستفيق إلا وقد أصبحت بطني (تلق) من كثرة الماء والطعام ثم أنزل للصلاة فأقضي معظمها من الوضع (نائماً) وقد اتطوح يميناً أو يساراَ على أحد المصلين في مشهد محرج غير مبرر على الإطلاق ثم أظل ألوم نفسي على الوقوع المتكرر في هذا المأزق ولكنها النفس الأمارة بالسوء والشره تقول لي إن نزلت للصلاة وأنت جوعان ستفكر في الطعام والشراب ولن تركز في الصلاة فآكل حت أشعر بالشبع ...ثم أقول كفى بها نعمة فتأتي نعمة أخرى وهي نعمة الفاكهة ... فأقول هذه ثم النزول للصلاة وكفى بها نعمة فتأتي نعمة أخرى وهي نعمة الكنافة والقطائف والجلاش والكستر فأقول قليلاً حتى لا أفكر في الحلوى وأشغل عن الصلاة وكفى بها نعمة فتأتي نعمة أخرى وهي نعمة المشروبات كالعرقسوس وقمر الدين فأحتسي هذه النعم وأنزل للصلاة وأنا ألق كالبرميل فأقول لنفسي يا نفس السوء ها قد شبعتي من النعم فهل تقومي بحقها فتقول نعم وأظل في تركيز أول ركعتين ثم تنهار قواي بعدها وأطل أسبح في بحار الخدر والكسل حتى إذا فرغنا من الصلاة يكون الطعام قد انهضم وتزول وطأة الكسل وكأن الشيطان لم يسلسل ولم يحبس فقد ربى أنفسنا ونعم التربية ... رباها على حب النعم ... وكفى بها نعم .
لن أطيل عليكم أكثر من ذلك لأن الدنيا صيام خلاص .... وإلى لقاء قريب في رمضانيات أخرى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته