الأحد، مارس 29، 2009

سبحة خشب.. و تاج (مش من اللي بيحطوه على راسهم )

قبل ما اكتب هذا البوست مباشرة قابلت أحد جيراننا الاعزاء

(عم عز مش عارفينه ولا ايه؟؟)

وكنا خارجين من صلاة العشاء مباشرة



عم عز جاوز السبعين (بكثير) و لكنه مفعم بالحيوية (و الكلام)...علشان كده بخرج من الجامع أقول(سلام عليكم يا عم عز) و انا بجري كأني رايح اجيب حاجة و انا مستعجل



المهم علشان مطولش
(قول طول ولا يهمك)



عم عز و انا خارج فقعني كلمتين في غاية البساطة و كان ممكن يعدوا علي أي حد بس مش انا هذا الرجل



قاللي عم عز
(رب مبلغ اوعي من سامع)



كنا في الصلاة و كان في راجل لسة جاي من السفر ... بيوزع سبح خشب و طواقي و مصليات
(تخينة زي البطانية)



كان بيوزع علي معارفه البطانيات
(قصدي المصليات)



و اللي عارفه نص نص يديله طاقية...و اللي مايعرفهوش يديله سبحة خشب



انا عيني طلعت علي البطانية
(اللي هي المصلية التخينة يعني)



و قربت منه و ابتسمت في تودد مصطنع و بصيت علي البطانية
(اللي هي المصلية التخينة يعني)



راح دس في ايدي سبحة خشب و بص الناحية التانية
:(

 

قمت قعدت أأنب نفسي وأقولها مش لو كنت وطدت علاقتك من زمان بالراجل ده كنت كنت أخذت بطانية
(المصلية التخينة يعني)



و بينما انا غارق في بحر الندم و الاسف و الآمال في البطانية
(المصلية التخينة يعني)



إذ قفزت الي ذهني خاطرة عجيبة

لما انا ندمان علي عدم توطيد علاقتي بالراجل اللي معرفهوش علشان حتة بطانية

امال مش ندمان علي عدم توطيد علاقتي بربنا ليه؟؟؟

و لو وطدت علاقتي بيه ممكن يديني ايه؟؟؟

و لو خليتها زي ما هي علاقة سطحية هندم علي ايه ولا ايه من اللي هايفوتني؟؟؟



عم عز صدمني صدمتين

صدمة البطانية
(المتخفية في صورة مصلية تخينة يعني)



و صدمة الرسالة اللي وصلتني من حيث لا ادري ولا احتسب

قلت اوصلهالكم انتم كمان يمكن يكون فينا
( مبلغ اوعي من سامع)





بالنسبة للتاج بتاع اخويا أحمد ابو العلا
(رفع الله شأنه بين البشمهندسين يا رب)

متجاوب بما يلي :



اسمك؟

تامر علي
(هنقرالكم كمان اللي مكتوب)



المشهور بيه وسط صحابك؟

تامر
(بس من غير علي)



سنك؟

في ربيع عام 1972 حدث حدث جلل اهتزلت له الفلنكات و اشرئبت له الأعناق
(احسب انت بأه علشان انا بطلت احسب و الله جالي اكتئاب)



مجال دراستك؟

الاقتصاد و ادارة الاعمال
(تجارة يعني خلاص؟)



اسم مدونتك؟

انظر اعلاه هتلاقيه يخرم العين
(هي غتاته و خلاص)



صورتك الرمزية في المدونة بتعبر عن ايه؟

منظر السماء الصافية المليئة بالنجوم مبهر و لكنه متكرر لذا لا يجذب الكثير



هل فكرت في اغلاق المدونة؟؟و السبب؟

اييييه دااا؟؟هو انا لسة فتحتها علشان اقفلها؟؟؟



ايه رد فعلك لو حد قل أدبه عليك في تعليق ؟

علي حسب الموقف...انا متعود اعالج المواقف ديه (كل علي قدره) و هو و ظروفه معايا



أسوء مدونة؟

قول اسوء مدونات

مدونات مهاجمة الدين و رموزه و شعائره

ثم مدونات الالحاد

ثم مدونات الاباحية

ثم مدونات قلة الادب في الكلام

علي الترتيب...مع العلم اني ممكن ادخل اعلق عند حد منهم لغرض يطول شرحه



هيحصل ايه للإيميل بعد ما تموت؟

و انا مالي ..و انا هكون في ايه ولا في ايه..مش لما اموت كويس و استقر ابقي اشوف



أديت الباسورد لحد قبل كده؟

ليه ان شاء الله؟؟اكتع مابعرفش اكتبه انا يعني؟؟لأ طبعا



السفر بالنسبة لك؟؟

و الله كان نفسي اروح بور سعيد و اشوف المنطقة الحرة و اجيب
(كوتش)
بس يالا النصيب

السفر يجمع بين العذاب و التشوييق و الفائدة العظيمة

الامام الشافعي شبه كثرة الاسفار و الضرب في الارض في مكان واحد

بالماء الجاري العذب الذلال..و الماء الضحل كريه الرائحة

اتحرك يا أخي :)



المود بتاعك ايه؟

هادئ جدا ظاهرياً...عصبي جدا داخلياً..ممطر شتاءً.. بارد صيفاً





بتعمل ايه في وقت فراغك؟؟

اموت في الانتخة جدا..و أحسن حاجة بحبها اني اظفر بلحظة مايكونش ورايا فيها أي حاجة علشان ماعملش فيها اي حاجة



الاكلة المفضلة؟

انا من آكلي اللحوم...مفترس لجميع انواع اللحوم

لكن الايام علمتني ان احلي اكلة هي اكلة
(معمولة بنفس و مزاج مش أي عك و خلاص)

ممكن تكون اكلتي المفضلة هي جبنة قريش بزيت و خيار و قوطة

افتري بأه خيار و قوطة مع بعض
(بس معمولين بمزاج)



الصفات التي اخذتها من والدك؟

تكبير الدماغ...الأيد الخرومة...الطناش...النسيان



الصفات التي أخذتها من والدتك؟

والدتي مدرسة لغة عربية..أخذت عنها حب الادب

و الحساسية المفرطة
(بدون ازعاج الاخرين)

و بلاااش نكمل



اكتر ست حاجات بتكرهها؟؟

الضغينة

الحسد

الكبر

التلوث بكل انواعه

الظلم و السكوت عنه

وجع الدماغ:)



اكتر ست حاجات بتحبهم؟

ان اكون في حالة (وصل) مع الله
(هو ده النعيم الحقيقي)



الاطفال
(و اطفالي الاتنين علي رأسهم طبعا)



الطبيعة
(القعدة في الشمس في يوم ربيعي في مكان اخضر)
و ياسلام لو كباية شاي بلبن



قراءة عمل جيد



ادخال السرور علي مسلم



النوم:)
(الانتخة):)





شخصيتك نوعها ايه؟؟

ايه اللي نوعها ايه

بصراحة مش هعرف اجاوب و مش انا اللي احكم كمان



لماذا دخلت عالم التدوين من الاساس؟

و الله انا متابعه من سنتين بس مادخلتش الا اول السنة ديه بس و مافيش سبب مباشر
(قررت ادخل دخلت علي طول)



احلي جملة قيلت في وصف مدونتك؟

أي جملة تقال من شخص (بيفهم) اعتز بها جدا و لو كنت نقد



اهمية التعليقات بالنسبة لك؟؟

مؤشر هام للتفاعل و تبادل وجهات النظر



احلي بوست كتبته؟ و ضع لينك ثم اذكر السبب؟؟

بصراحة انا من النوع اللي ما بغصبش علي نفسي في الكتابة و مش بحاول اكتب الا لما يكون في حاجة عاوز اقولها علشان كده كل بوستاتي عندي واحد



افضل مدونة قرأتها؟

المدونات اللي متابعها كلها..يعني بص علي قائمة المدونات تلاقي الي متابعهم كلهم
(انا ما بجاملش ولا بغصب علي نفسي في القرأة كمان)

هتلاقي كل شخص عنده حاجة مميزة

د/ستيتة ...التلقائية و الكاريزما المتدفقة كما يجب ان تكون

م/أحمد ابو العلا ...حضور الكلمات و الافكار

ايمان... نضج الافكار و ما وراء الاحداث

فتافيت...رشاقة الاسلوب و حدة الفهم

رحيل...اشبه بأديبة من زمن اخر ذات لغة عالية الوميض

آبي...صدق و بساطة الكلمات

أ/محاسن... تنقلك للأحساس بمعاناة الاخرين دون ان تشعر بأي عبء بل بالعكس

روز...ابداع و أدبيات جاهزة للعرض

تامر دياب... احساس صادق بدون رتوش

الازهري...مقل لكن له حضور

أ/بيرم...غني عن أي كلام

أ/فشكول... متعة المعلومة و الفشكلة :)

عادل...ادهم صبري بتاع زمان بخفة دم:)

د/توكل...مناضل اللهم فك اسره



و غيرهم لكن المقام لن يحتمل



افضل بوست قرأته؟

نفس الاجابة السابقة



الشغل بالنسبه لك؟

هم كبير



الانترنت بالنسبة لك؟

زي الفول بالنسبة للطعمية



تمرر التاج ده لمين؟

لكل اللي يحب

انا استمتع بالسير الذاتية
(فضولي)





آسف علي الاطالة

































الخميس، مارس 26، 2009

أنا وتشيكوف

فيما يلي قصتين الأولى للكاتب الكبير ورائد القصة القصيرة في العالم "أنطون تشيكوف" والثانية لي . هناك عوامل مشتركة بين القصتين وهو البيئة التي يكتب فيها الكاتب. تشيكوف قصته مليئة بالثلوج والترقب والرومانسية المدهشة والحيرة والحيوية التي تعبر عن عصر ما بعد القياصرة وما قبل الثورة الشيوعية الذي كان يحيا فيه تشيكوف . أما قصتي فسأترك الحكم عليها للذي يريد :)
طبعاً لايمكن أن نعقد مقارنة بيني وبين تشيكوف فلايوجد وجه للمقارنة ولكن كل ما في الأمر أن هذه ذكرتني بتلك والقصتين مستوحاتين من بعض الأحداث الحقيقية وبعض خيال المؤلف.

كنت سأروي قصة من قصص "المسخرة " كالعادة حتى أفسد الجو (الجاد) للقصتين ... لكن وجدت أن البوستين أطول من اللازم فقلت "خلاص نخلي المسخرة في بوست لوحده"

___________________________

مزحـــــــــــــــــــــــــــة

- ساعة الظهر في يوم شتائي صحو ... الصقيع شديد قارس , حبات الجليد الفضية تكسو خصلات فودي "نادنكا" والزغب فوق شفتيها العليا . انها تتأبط ذراعي , ونحن واقفان فوق تل مرتفع . ويمتد من اقدامنا حتى الأرض شريط منحدر تشرق عليه الشمس كأنما تطل في مرآة . وبجوارنا زحافة صغيرة , مكسوة بالجوخ الأحمر القاني . وأتوسل إليها :
- فلنتزحلق إلى أسفل يا "ناديجدا بتروفنا" ! مرة واحدة أرجوك ! أؤكد لك أننا سنصل سالمين دون أذى !
ولكن نادنكا خائفة . وتبدو لها المسافة من قدميها الصغيرتين حتى نهاية التل الجليدي هوةً مرعبة لا قرار لها . وتحتبس أنفاسها وتلهث بمجرد أن تنظر إلى أسفل , بمجرد أن أعرض عليها الجلوس على الزحافة , فماذا سيحدث إذن لو أنها غامرت بالقفز إلى الهوة ؟ ستموت فوراً وتجن . وأقول لها :
- أتوسل إليك .. لاداعي للخوف , فلتفهمي ... إن هذا ضعف و جبن .
وأخيراً ترضخ نادنكا , فأرى في وجهها أنها ترضخ مخاطرة بحياتها , وأجلسها في الزحافة وهي شاحبة مرتجفة , أطوقها بذراعي , أرتمي معها في الهوة .
تطير الزحافة كالرصاصة . ونشق الهواء فيلفحنا في وجهينا .. ويعوي .. ويصفر في آذاننا ويعربد ... ويخزنا بألم من شدة الغضب , ويريد أن ينتزع رأسينا من أكتافنا , ومن شدة ضغط الريح لانقوى على التنفس , يبدو وكأن الشيطان نفسه قد طوقنا بيديه وأخد يشدنا إلى الجحيم وهو يزأر . وتندمج الأشياء المحيطة بنا في شريط طويل سريع راكض . ... ويخيل إلينا أننا الآن , بعد لحظة , سنلقى حتفنا ... وأقول بصوت خافض :
- احبك يا ناديا
وتقل سرعة الزحافة شيئاً فشيئاً , ولا يعود زئير الريح وأزيز قضبان الزحافة يبدوان مخيفين , وتكف الأنفاس عن الاحتباس , وأخيراً نجد أنفسنا عند أسفل التل . أما نادنكا فبين الحياة والموت .انها شاحبة , لاتكاد تتنفس ... وأساعدها على النهوض .
- لن أتزحلق مرة أخرى أبداً ,.. تقول وهي تتطلع إليّ بعينين واسعتين ملؤهما الرعب . أبداً .. أبداً ! كدت أموت .
وبعد قليل تعود إلى حالتها الطبيعية , وترمقني بنظرات متسائلة : أهو أنا الذي قلت تلك الكلمات , أم خيل إليها أنها سمعتها في صخب الإعصار ؟ أما أنا فأقف بجوارها , أتفحص قفازي باهتمام .
تسير بجانبي , نسير طويلاً بجوار التل , يبدو أن اللغز يحيرها . هل قيلت تلك الكلمات أم لا ؟ نعم .. أم لا ؟ إنها قضية كرامة , حياة , سعادة , قضية هامة جداً . أهم قضية في الدنيا ... تتطلع نادنكا إلى وجهي في لهفة , وحزن . بنظرة ثاقبة , وترد بغير ما أسال , وتنتظر .. هل سأبدأ أنا الحديث . ياله من صراع يرتسم على ذلك الوجه الرقيق , وأرى كيف تغالب نفسها ... تريد أن تقول شيئاً ما , لكنها لاتجد الكلمات المناسبة ...تشعر بالحرج والرهبة , وتعوقها الفرحة ... تقول دون أن تنظر إليّ
- أتدري ؟
- ماذا ؟
- هيا مرة أخرى ... نتزحلق .
نصعد سلما إلى التل , ومن جديد أجلس نادنكا الشاحبة المرتجفة في الزحافة , ومن جديد نطير إلى الهوة الرهيبة , ومن جديد تزأر الريح وتئز القضبان .. وفي قمة طيران الزحافة وصخبها أقول بضوت خافت :
- أحبك يا نادنكا !
حين تتوقف الزحافة تلقي نادنكا نظرة على التل الذي انحدرنا إليه لتونا , ثم تتفحص وجهي طويلاً , تصغي إلى صوتي اللامبالي المحايد , تكاد تنطق كلها , حتى موفتها وقلسونتها وهيأتها كلها بالدهشة البالغة , وعلى وجهها قد كتب :
" ما الأمر من الذي تفوه بتلك الكلمات ؟ هو أم أن ذلك خيّل إليّ ؟"
يقلقها ذلك المجهول ويخرجها عن صبرها . لاترد الفتاة المسكينة على أسئلتي , وتعبس وهي توشك على البكاء وأسألها
- هلا عدنا إلى البيت
فتقول وهي تتضرج :
- ولكني .... أنا يعجبني هذا التزحلق , ألا نتزحلق مرة أخرى ؟
"يعجبها" هذا التزحلق ؟ بينما يشحب وجهها وترتعش وتحتبس أنفاسها خوفاً كما في المرتين السابقتين عندما تجلس في الزحافة .
نهبط للمرة الثالثة , وأراها تحدق في وجهي وتراقب شفتيّ . فأضع منديلاً على فمي وأسعل , وعندما نبلغ منتصف التل أتمكن من الهمس :
- أحبك يا ناديا.
ويظل اللغز لغزاً . وتصمت نادنكا وهي تفكر في شيء ما ... وأمضي لأوصلها من ميدان التزحلق إلى بيتها .. فتتعمد هي أن أن تسير على مهل , وتبطيء من خطواتها , وطوال الوقت تنتظر أن أقول لها تلك الكلمات , وأرى كيف تتعذب روحها , وكيف تغالب نفسها كي لا تقول :
" لايمكن أن تكون الريح هي التي قالتها ! كما أنني لا أريد أن تكون الريح هي التي قالتها "
في صباح اليوم التالي اتلقى رسالة قصيرة :
"إذا كنت تنوي الذهاب إلى ميدان التزحلق اليوم مر عليّ " . ومنذ ذلك اليوم وأنا أذهب مع نادنكا يومياً إلى ميدان التزحلق , وعندما نهوي بالزحافة إلى أسفل , أقول في كل مرة بصوت خافت نفس الكلمات :
- أحبك يا ناديا
وسرعان ما تتعود نادنكا على تلك الجملة , كما يتعود المرء الخمر أو المورفين , ولا تستطيع أن يحيا بدونها . صحيح أنها ظلت تخاف الهبوط من التل , ولكن الخوف والخطر أصبحا يضفيان سحراً خاصاً على كلمات الحب ,هذه الكلمات التي بقيت كما كانت لغزا يثير الاشجان و الشك مازال محصورا في اثنين : انا و الريح... من منا الذي يبوح لها بحبه ..انها لا تعرف , و لكن يبدو ان الامر اصبح بالنسبة لها سيان . ((لا يهم من اي وعاء تشرب , المهم ان تصبح ثملاً)) .

و ذات مرة , ذهبت في الظهر الي ميدان التزحلق وحدي . و عندما اختلط بالحشد , رأيت نادنكا تقترب من التل و هي تبحث عني بعينيها... ثم ارتقت السلم في وجل ... كم هو مرعب ان تتزحلق وحدها , اوه كم هو مرعب ! انها شاحبة بلون الثلج , و ترتجف تمضي و كأنما تساق الي ساحة الاعدام , و لكنها تمضي , باقدام و حزم .يبدو انها قررت أخيرا ان تجرب : تري هل ستسمع تلك الكلمات الحلوة المدهشة و انا غير موجود ؟ و أراها و هي تركب الزحافة , شاحبة ,مفغورة الفم من الرعب , و تغمض عينيها , و تودع الارض الي الابد , و تنطلق من مكانها... و تئز قضبان ازحافة : (( ز-ز-ز)) . تري هل تسمع نادنكا تلك الكلمات ؟ لست ادري ... أري فقط أنها تنهض من الزحافة منهكة , خائرة . و يبدو من وجهها انها هي نفسها لا تدري هل سمعت شيئا ام لا . فقد سلبها الخوف و هي تهوي الي اسفل القدرة علي السمع و تمييز الاصوات و الفهم ...

و ها هو شهر مارس , شهر الربيع , يأتي ... و تصبح الشمس اكثر رقة . و يميل لون تلنا الجليدي الي القتامة , و يفقد بريقه و أخيرا يذوب . و نكف عن التزحلق . ولا يعود لدي نادنكا المسكينة مكان تسمع فيه تلك الكلمات بل و ليس هناك من يقولها , لان الريح لم تعد تسمع , أما أنا فأستعد للسفر الي بطرسبرج لمدة طويلة , و ربما الي الابد .

و ذات مرة , قبل سفري بحوالي يومين , كنت جالسا في الحديقة ساعة الغسق . و كان هناك سور مرتفع بمسامير يفصل هذه الحديقة عن الفناء الذي يقع فيه بيت نادنكا ... كان الجو لا يزال باردا ,و الثلج لم يذب كله تحت السماد و الاشجار الميتة , و لكن روائح الربيع انتشرت في الجو و الغربان تصيح بصخب و هي تأوي الي النوم . اقتربت من السور و رحت انظر طويلا في الشق . و رأيت نادنكا تخرج الي درج المدخل , و تتطلع الي السماء بنظرة حزينة ملتاعة... و تلفح رياح الربيع وجهها الشاحب المكتئب ... و تذكرها بتلك الريح التي كانت تزأر آنذاك في وجهينا فوق التل حينما سمعت تلك الكلمات الثلاث , فيصبح وجهها حزيناً حزيناً , و تتدحرج علي خدها دمعة ... و تمد الفتاة المسكينة ذراعيها , كأنما تسأل هذه الريح اليها مرة اخري تلك الكلمات . فانتظرت دفقة ريح و أقول بصوت خافت :
- أحبك يا ناديا !
يا الهي , ماذا جري لنادنكا ! انها تصرخ و تبتسم بوجهها كله , و تمد ذراعيها لملاقاة الريح , متهللة , سعيدة , في غاية الجمال .
و انصرف لأرتب حقائبي . . .
كان ذلك منذ زمن بعيد . أما الآن فنادنكا متزوجة . (زوجوها او تزوجت ..هذا سيان) -- من سكرتير مجلس وصاية النبلاء , و لديها ثلاثة اطفال . و لكنها لم تنس كيف كنا نذهب في الماضي الي ميدان التزحلق , و كيف حملت الريح اليها كلمات (( احبك يا ناديا)) . أصبح هذا بالنسبة لها الآن اسعد و ارق و اروع ذكري في الحياة . . .

أما أنا الآن , و بعد ان صرت اكبر , فلا افهم لماذا قلت تلك الكلمات , و لأي غرض كنت أمزح .

___________________________

بــــائع العطـــــــــر

طوال السنوات الماضية ....ظلت تتردد على نفس المكان .... تبحث عن نفس الشىء ...تنتظر نفس الأشخاص .... دون أن ينقطع الأمل فى اللقاء ... ما سر ذلك العطر؟؟؟ ما الذى تسرب منه الى الذاكرة؟؟ أى سحر هذا يجعلنا نمضى فى طريق نجهله بدعوى البحث ؟؟
كان قد غادر منذ سنوات ...سنوات طويلة .. لم يتخلف عن غيابه أى قدر من الألم ... أو حتى من المعاناة .... فقط الإنتظار .
عندما كان يتأهب للرحيل .... كان متضوعاً بهذا العطر ... ممسكاً بأوراقه وحزمة أقلامه .
لم يكن هناك ما يمنعه من الرحيل .. غير أنه عندما رحل ... كانت تظن أنه لابد من العودة .. لذا فقد ظلت تنتظر .... عندما طال الإنتظار .... ظلت تبحث عن العطر .... ذلك الذى كان يضعه دائماً ... لم تكن تعرف له اسماً ... فقط كانت تعرفه جيداً ... عندما تطاير فى خلايا الذاكرة وحفر له مكاناً هناك وظل بداخلها دائماً .... كانت تذهب إلى محل العطور ... تفتح الزجاجات والقوارير ... تتنسم شذى اللحظات الكامنة على الأغطية .... ترى بعيون الذاكرة ما دار فى الأفق عند تطاير الرائحة... كانت هناك أنواع أزكى ... وكانت هناك قوارير أجمل .. لكنه الكامن فى أعماق الذاكرة .... لايريد أن يرحل هو الآخر .
أحبها بائع العطر .. أحب الصباح الذى يأتى معها ... كل يوم مفعم بالأمل المتجدد دوماً ... ذلك الضارب فى أطناب القلب دروباً من الرحيل الذى لا ينتهى .
ما الذى يمنعها من حب بائع العطر نفسه ؟؟؟
كلماته التى إختلطت بعطره وسافرت بعيداً فى جنبات النفس ... تأبى أن تعود من السفر .. صارت تمنعها من أى شىء إلا مواصلة البحث .
ذات مرة إستوقفها بائع العطر ...عرض أن يساعدها فيما تبحث عنه .. إنه خبير فى العطور ... يعرف تركيبها جيداً... كيف تنسلّ إلى الصدر بلا رقيب ... وكيف تتسلل الى الذاكرة بلا رادع ... سألها عما تبحث عنه .
لم تدر ماذا تقول ؟؟؟سألته .... كيف تصف عطراً لاتعرف له إسماً ؟؟؟
توقف عن الإجابة قليلاً ثم قال بأن بعض العطور تتشابه ... وسأل عما إذا كان هناك أى عطر يشبهه؟؟؟
إنها حقاً لاتدرى إن كان هناك أى عطر يشبهه أم لا . كانت تعجز عن الإجابة .
لاحظ أنها دائماً تمسك ببعض الأوراق ... ذات مرة وضعت الأوراق جانباً أثناء البحث عن عطرها المفقود ... تعمّد أن يسترق النظر إلى الأوراق ... علّه يجد إجابة عن بعض التساؤلات .. عندما عادت تبحث عن أوراقها .. كان هناك واقفاً بجوار الأوراق يرمقها بشدة ... سحبت اوراقها بهدوء ... نظرت إليه ....
أخبرها بأن العطر الذى تبحث عنه لن تجده فى الجوار ..إنه عطر فريد ... لايصنع فى هذه البلاد .... إنه يصنع هناك فى بلاد العطور .... ربما لو سافرت "خلفه" سوف تجده...
- أجابت بأنها تعرف ذلك منذ زمن بعيد

ربما كانت تبحث عن عطر آخر دون أن تدرى ؟؟؟ ربما لم تكن تدرى عمّا تبحث ؟؟؟ أو ربما هى تعرف جيداً عمّا تبحث ؟؟؟ تزاحمت الأسئلة فى "رأسه"بلا ردود.
ما هو الحائل المنيع الذى أحدثه ذلك العطر ؟؟؟؟ ربما هو نوع من السحر ؟ نعم .. لماذا لم تفطن لهذا من قبل ... إنه السحر ولا شك .. أنه السحر الذى (يؤثر) بنا دون أن نعلم عنه شيئا..فقط يقودنا إلى طريق ما ...دون أن نستطيع المقاومة ... ونظل تحت تأثيره حتى يزول ... لاشك أنه السحر .
لم يبق إلا أن تحدد أى نوع من أنواع السحر هو ... قالت لنفسها إنه ربما سحر ساحرة "طيبة" ترتدي رداءً أبيض و قبعة كبيرة و لها ملامح ودودة كالتي طالما شاهدتها في القصص الخيالية ... لابد وأن يكون السحر الذي تعانيه من هذا النوع ... سحر لا تريد منه فكاكاً سحر يطغي بهاؤه علي ألم الفراق ... فيحيلها سعادة من طعم لا يوصف ... كلمات هذا السحر بلون "ارجواني" لا تقرأ الا في لحظات المغيب عند الشفق الاحمر عندما تردد كلمات "السحر" بين شفتيها يسري ذلك "السحر" في اوصالها املاً يتجدد كل يوم في اللقاء و برغبة "عارمة" في مواصلة الحياة .
هنا سألت نفسها هل تريد ان تواصل الحياة مع هذا "السحر" الذي لا مكان له إلا بداخلها ... أم أنها تريد أن تحيله إلي خزانة الذكريات داخل رأسها و تستكمل الذكريات مع بائع العطر ... طرحت هذا السؤال علي نفسها مراراً و حزمت أمرها ... و انطلقت الي بائع العطر ...
كانت تنوي أن تواجهه بكل الاسئلة ... يجب ان يجيب بائع العطر عن كل الاسئلة و يجب أن "يحل" عقد السحر و يجب أن يستخرج بنفسه ذلك الكامن في جنبات الذاكرة و يجب أن يصنع لها عطراً أجمل .... و يجب أن يستبدل كل المشاعر الجميلة التي عاشتها بأخري أجمل .
نعم يجب أن لا يكون بائع العطر أقل شأناً من "سحرها"
كان الصباح لم يطلع بعد .... ظلت تنتظره أمام السحب البيضاء و النسائم المنعشة ... ظلت تنتظر بائع العطر.

_______________________________________________

الأحد، مارس 22، 2009

تأملات

تأملت تلك التأملات وأنا أشاهد صورة لمخ بشري استغرقت في شكله ... تلافيف ودهاليز ومتاهات تنبأ وتنذر بالكثير من الحيرة والكثير الجدل والكثير من المعاناه .... على عكس صورة للقلب البشري .... فهو يبدو لي كوعاء كبير لايكل من العمل يحتوي المشاعر والتأملات والخبرات ...لاأدري لماذا أحببت صورة القلب أكثر



يتلقى الإنسان خلال فترات عمره الأولى مجموعة معلومات مختلفة المصادر والتوجهات سواء كانت علمية أو ثقافية أو دينية . هذه المعلومات تشكل فيما بعد قناعاته الشخصية واتجاهاته الفكرية وبحسب قوة المعلومات وقدرته على التوصل لدلائلها تشكل وجدانه الفكري بشكل لا ارادي .


من أقوى الأفكار والقناعات التي يتلقاها الإنسان منذ الصغر هي المعتقد الديني الذي يتلقاه من الوالدين ثم يجري عليه فيما بعد مجموعة من عمليات الحذف والإضافة حتى يصل لمرحلة النضج الفكري . وخلال مرحلة المراهقة يتمرد الإنسان على ما تلقاه من الأهل بشكل ما فيحاول إما تطوير قناعاته كلها بحيث تشكل رؤية شخصية أو يتجاهلها تماماً فتصبح مجرد أفكار موروثة مع الوقت بدون ممارسة فعلية .
فخلال الفترة الأولى من عمر الإنسان تجد أن الله سبحانه وتعالى قد حباه بملكات معينة منها قوة الحفظ ودقة التقليد وسرعة التلقي وخلال تلك الفترة يجب أن يتم شحنه بأكبر جرعة ممكنة من (الثوابت ) العلمية والعقدية بأي شكل من الأشكال ويجب البعد نهائياً خلال تلك الفترة عن كل ما هو قابل للجدل أو إعمال العقل (بغير تنمية الذكاء) وذلك استعداداً لمرحلة مقبلة تقل فيها القدرة التحصيلية وتتألق فيها القدرات الفكرية والتنظيرية 
على سبيل المثال تجد أن كل علماء الدين الأفذاد قد بدأوا بداية واحدة .. هي حفظ القرآن وحفظ الحديث الشريف بمتونه وإسناده ثم حفظ متون العلم والمسائل ... ثم بعدها ملازمة العلماء لأخذ الأدب والنضج الفكري اللازم للتعامل مع النصوص ...ثم يفتح الله بعد ذلك على من يشاء منهم ويعلم منه الإخلاص فيرتفع نجمة في سماء العلماء الذين لايخلو زمان ولا مكان منهم . وقد يحدث أن تجد أحدهم قد مشي نفس الطريق وحصل نفس العلوم ولكن لم يوضع لالقبول في الأرض ولم يسمع به الناس
وقد ترى أحدهم قد مشى نفس الطريق ثم انحرف واصبح صاحب فرقة ضالة أو مذهب فاسد أو معتقد ضال
والسؤال هو


- ما هي المعايير والحدود التي تضمن للإنسان وجوده داخل حيز تفكير صحيح أو
معتقد سليم ؟؟؟؟


الإجابة على هذا السؤال صادمة بعض الشيء ولكنها تحتاج لشيء من التأمل
وهي أنه لايوجد أي شيء (مادي ) يضمن للإنسان ذلك فالإنحرافات الفكرية والعقدية قد تعرض للإنسان على أي مستوى وفي أي وقت وما من شبهة أو محرم أو بدعة أو انحراف عقدي أو مذهب فاسد أو حتى ديانة تصطدم مع العقل إلا ووجدت منظرين ومروجين لها بين الناس . والإنسان دائماً قد يطلع على شيء يغير من قناعاته وأفكاره
ولكن هناك علامات فارقة تعطي اشارات حمراء في (عقلك) دائماً ... فمتى وجدت نفسك تتغاضى عن اشارة من تلك الإشارات أو تتعصب لفكرة دون أن تكون على تمام الدراية بدلائلها أو تنتمي لمعتقد لا تلم (بأركانه ) وأساساته فاعلم أنك على خطر (ولو على المدى الطويل) وتأمل معي هذه النصوص
عن زيد بن وهب حدثنا عبد الله حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة . وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار. البخاري
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال
" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم.... الى آخر الحديث ..مسلم
أي أن العمل ليس هو المحك في الهدى والضلال وإن كان السبب وأن طلب الهدى لازم على كل حال مهما ظن الإنسان بنفسه أو مهما أوحى إليه الآخرون (وإن كانوامخلصين
لذلك حدثني مرة أحد الناس أن الصحابة (يبالغون) في الخوف على أنفسهم فهم مبشرون بالجنة وخير القرون ومع ذلك يقول أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) " لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة" ويقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لمعاذ بن جبل "أأنا منهم (يقصد المنافقين ) ... فعد ذلك من (المبالغة). وعدما وضحت له أن ذلك هو ما يجب بناء على ما وصل إليهم من العلم وأنهم أعلم الناس بما يجب وأبعدهم عن التنطع والغلو ولكن عندما يكون الكلام (في جنب الله) فالخوف لازم (إذ لايجب على الله شيء) ولا أمن إلا في الجنة . ولكنه أصر على موقفه
عندما تسمع عالماً أو شيخاً كبيراً يتحدث في أمر علمي أو مسألة فقهية . هل تأخذ كلماته على أنها مسلمات لاتقبل الجدل ؟ أم أنها وجهة نظر تقبل الأخذ والرد ؟ وهل تعلم ما هو الفارق بين الجاهل الذي يرد كلام العلماء (برأيه) الخاص وبين المحقق الذي يفهم الدليل وملم بالثوابت ؟ هناك خيط دقيق بين الاثنين قلما ينتبه إليه أحد عندما اعترض على فتوى شيخ كبير يقول البعض (يعني انت أعلم منه؟) وتحتار في الإجابة مادام السائل لا يستطيع أن يفرق بين الثوابت التي لا تمس وبين مساحات الخلاف ..كيف تقنعه؟

الجمعة، مارس 13، 2009

حبيب هارتي


كنت أقلب في المدونات والمنتديات فوجدت أن أكثر ما يشغل بال (الجميع ) هو الحب والعواطف وما إلى ذلك من (تبعات) فقلت (في عقل بالي ) لماذا لا ادلي بدلوي (أنا كمان .. هي جت عليا أنا يعني ) ... ومن ثم أخذت الدلو وأدليته وهذا ما خرج من الدلو

هذا (البوست) عبارة عن نصفين .... النصف الأول مكتوب باللغة (شبه) العربية ..... والنصف الثاني مكتوب باللغة (المسخره) أو اللغة العامية لأني أعرف أن هناك الكثير لن يتذوق النصف الأول فقمت (بالترجمة) في الشق الآخر فعلى السادة حزب معاداة اللغة العربية الإنتقال مباشرة للقسم الذي يخصهم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"قال الإمام بن حزم – رحمه الله - الحب أوله هزل , وأخره جِد . دقت معانيه ( لجلالتها) عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة , وليس بمنكر في الديانة , ولا بمحظور في الشريعة , إذا القلوب بيد الله عز وجل ".

لما كان الحب من أقوى المشاعر الإنسانية ومن أغرز الأحاسيس تدفقاً وأعمقها أثراً ولما كان مرتفعاً شأنه لدى الناس فقد كثرت أسمائه وتنوعت أحواله فمن أحواله الـمـحـبـة و الـهـوى و الـصـبـابـة و الـشـغـف و الـوجـد والـعـشـق و الـتـتـيـم و الـجـوى و الـتـبـاريـح و الـشـوق و الـشـجـو و الـسـهـد و الـحـنـيـن . و الـود و الـولـه و الـهـيـام و الـغـرام و الـخـلـة

وكل حالة مما سبق لها أحوال ومعان مختلفة عن الأخرى ولكل درجة أحكام وآثار , ولكل درجة قوة وطغيان يظهر على الإنسان بحسب قوة عقله وبحسب رسوخ عقيدته وبحسب جبلته التي فطره الله عليها . فقد يطغى حب النفس على كل ما سواه ... وتارة نجد من يضحي بنفسه في سبيل من يحب وتارة نجد من يضحي بحبه وهواه في سبيل حب من نوع آخر كحب الولد أو الوالد وهكذا قد يطغى الحب على إنسان فيصير وبالاً يفقد الإنسان عقله ولو بإرادته .


-ومنه ما يجعل الإنسان يقع في حب كل ما يتعلق بحبيبه ومنه قول "قيس "

أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا


فطاف هذا العاشق يقبل جدران بيت محبوبه لأنها احتوت من يحب

-ومنه ما يخفى عن الناس فلا يشعر بقوته ويحترق بلهيبه إلا من ذاق لوعته



لايعرف الشوق إلا من يكابده

ولا الصبابة إلا من يعانيها


-ومنه ما يستره المحب عن الناس غيرةً على من يحب حتى ولو أوهمهم أنه يحب شخص آخر كقول بن المعتز.


لما رأيتُ الحب يفضحني

ونَمَت على شواهد الصب ّ

ألقيت ُغيرك في ظنونهمُ

وسترتُ وجه الحب بالحب


فستر محبوبه عن الناس بأن ألقى بغير محبوبه في ظنهم حتى يظل حبه منفرداً بقلبه ولسانه دون غيره.

-ومن أحواله إخفاءه حتى عن الحبيب نفسه مخافة الصد والهجر... فيظل على حال حبه لا يظهره للحبيب ولو ظفر به رغبة منه في الحفاظ عليه من تمنع أو زهد محبوبه فيه لو علم به ومنه قول الشاعر.

لا تظهرن مـودة لحبـيـــــب
فترى بعينك منه كل عجيب
أظهرتُ يوماً للحبيب مودتي

فأخذت من هجرانه بنصيبي


ومن آفاته النظر ... فالنظرة قد تنبعث إلى القلب فيشقى بها صاحبها ويفسد حاله وهو ما نهى عنه الشرع حفظاً لمجامع القلوب فبعض القلوب تأسره النظرة ولو من نظرة واحدة ... ولما كان تعمد إعمال النظر من المحظورات فعوقب الناظر (بحبس ) قلبه ولوعته على ما لا يطيق .ومنه قول قائلهم

والمرء ما دام ذا أعين يقلبها
في أعين الحور موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضـر مهجـته
لا مرحـباً بسـرور عـاد بالضرر


-ومنه ما قد يخرج الإنسان للكفر بالإعتراض على الخالق عز وجل من فرط سوء حاله ومنازعته أحزان الفراق أو حيرته في رغبة لم تكتمل كقول هذا الشقي


أيا رب تخلق أقمار ليـــل وأغصان بان وكثبان رمل
وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل ؟


-ومنه ما يورث الحسرة والنكد وطول الألم وهو أن يحب المرء من هو متعلق بسواه وهو في ذلك قد انقطع أمله فيمن يحب واتصلت أحزانه لعلمه باستحالة الوصل به ومنه قول القائل

أفق يا فؤادي من غرامك واستمع
مقالة محزون عليـك شفيق
عــلقـتَ فتـاة قــلبـها متعلـق

بغيرك فاستوثقت غير وثيق
وأصبحت موثوقاً وراحت طلـيقة

فكم بين موثوق وبين طليق

-ومنه ما هو همّ كله فيتعذب به المحب في كل حين .... وذلك لايكون إلا لمن كانت له نفس عليلة مريضة بداء العشق فتراه معذباً حين لقاء المحبوب خوفاً من ساعة الفراق وتراه معذباً في ساعة الفراق شوقاً لساعة اللقاء . ومنه قول الشاعر
ومافي الأرض أشقى من محب
وإن وجد الهوى عذب المذاق
تراه بـاكياً فــي كـــــــــــل وقت
مخــافة فرقــة أو لاشتيــــاق
فيبكي إن نــأوا شوقـاً إليـــــــهم
ويبكي إن دنـوا خـوف الفراق
فتسخـن عيـنه عند التـدانــــــي
وتســخن عيـنه عـــند الــفراق


-ومن أنكده وأعمقه غيظاً للنفس أن يظل الإنسان يحترق برغبته فيه في فورة الشباب وثورة العنفوان حتى إذا انطفأت الفورة وهدأت الثورة وصار الإنسان لامطمع له ولا إرب في حبيب أو محب .... جاءه ما كان يرجوه في شبابه على غير رغبة منه ولا طلب . ومنه قول هذا الشيخ .


ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا
ملكته بعد أن جاوزت سبعينا
تطـوف بي مـن الأتـراك أغزلة

مثل الغصون على كثبان يبرينا
وخــرد من بنــات الروم رائعة
يحكين بالحسن حور الجنة العينا
يغــمزنني بأســاريع منــعمة
تكاد تعــقد من أطــرافها لينا
يٌردن إحــياء ميت لا حــراك به
وكيف يحيـين ميـتاً صار مدفونا
قالوا أنيــنك طول اللـيل يسـهرنا
فما الذي تشتكي؟ قلت الثمانينا


متعنا الله وإياكم بمحبته في الدنيا والآخرة وجنبنا أمراض الهوى وأدكار الجوى ومعالجة العشق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نيجي بقه للنص التاني ونقول

زمان قالوا "الحب زي عضة الكلب " وانا دورت في كل المعاجم والمباحث عن معنى لهذه الجملة فملقتش .... فقلت أجتهد أنا وافسرها ... ممكن يكون الحب زي عضة الكلب يعني بيخلي المحب زي المسعور مثلاً فيفضل (يهبهب) محدش يسألل فيه علشان محبوبه بيكون حاسس إنه مقامه زي الكلب وكبيره يرمي له عضمه .... وكمان ممكن يكون علشان أثره ممتد زي عضة الكلب ولو الإنسان مخدش 21 (حقنه) يتسعر ويعضعض في كل الأحباب اللي هم أقرب الناس إليه .... ممكن يعني .... ومن ذلك قول الشاعر

قطعني حته حته ..... وارميني لأي قطه
أنا كنت بحب واحد .... دلوقتي بحب سته
فنرى هنا أن الحبيب قد ازداد (طفاصة ) وبيحب نص دسته .... وكلمة (قطه) في هذا النص تتقابل مع كلمة (الكلب ) في النص الذي يسبقه فيصير المحب والمحبوب مثل (القطة والكلب ) في صراعهم الدائم على بقايا الطعام وصفائح الزبالة مثل كر وفر الحبايب والهجر والصد .
نيجي بقه لنص فريد من نوعه يتناول الحب من منظور عميق حيث يقول الشاعر

حبيني واختفي .... وفقلبي نتفي
دانا قلبي مركبه ... ياحبيبتي قدّفي

حيث بأمر المحب حبيبته أن تحبه في صورة غرامية عنيفة بل الأدهي من ذلك والامر أنه يأمرها بأن (تنتف) في قلبه كما تنتف (الست) ريش الفراخ وهي بتنضفها بالميه السخنه ... وده إن دل فإنما يدل على أن قلب هذا الحبيب وكبدته قد اتسلقت من فرط الحب كقلب الفراخ وكبدتها وأوانصها .... ولم يكتفي هذا الشاعر الفحل بهذا بل شبه قلبه بالمركبة وطلب من حبيبته أن تقدف فيها حيثما شاءت وتتوجه بهذا القلب الكبير إلى حيث تشاء إو لا تشاء هي حره بقى .

وهذا النص يتعارض مع نص آخر لشاعر الحب الضائع حيث يقول

ياللي خدوك منّي ....بعدك مجنني

وهنا يصل الشاعر في حبه لذروة الجنون حيث أخذوا حبيبه منه وأخروه عليه لحد دلوقتي .... فاضطر إنه يأجر واحد تاني بالساعة وتحمل في سبيل ذلك ما لايطيقه بشر من ويلات وتكاليف البعد والهجر وفرقعة المواعيد .

وكذلك قول القائل

يا حبيبي المحشي استوى
ارميلي صباع في الهوا

حيث وصل الجوع واللهفة بهذا الحبيب لحد إنه يطلب (ببقه) من حبيه صباع محشي ... مع إنها عيبه فحقه برضو ... بس مش مهم العيب لما يطلع من أهل الحب يدخلوه جوه تاني ويقفلوا عليه كويس علشان مايتوهش . وشبه الحبيب هنا المحشي اللي استوى بقلبه اللي استوى من الحب وطلب من حبيه أن يرميله هذا (القلب ) الذي استوى من الحب في هوا الحبيب ... وفي ذلك استشارة مكنية ومغاز مرسل بالبريد المستعجل لايخفى على أحد .
وأخيراً نختم بقول الشاعر صاحب "المقلة"

"ضرب الحبيب زي أكل الزبيب "

حيث شبة الحبيب بالزبيب وكان ذلك في رمضان والدنيا صيام والناس نازله تشتري الياميش وبعدين لقوا الزبيب غالي جداً فمشتروش السنه دي زبيب فشبة الحبيب حبيبه بالزبيب من شدة غلاوته وندرته ... وكده يعني ... لكن من عيوب النص كما قال النقاد إنه ماقالش نوع الزبيب بالظبط .... سوري ولا ايراني ولا تركي .... لإنه كده ساب العملية سايبه خالص ... ولو إن أنا بفضل (السوري) يالا مش مهم :)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعتذر للسادة المساكين المدونين عن الإطالة .. وأنصحهم بعدم قراءة النصفين على بعض إختصاراً للوقت

الجمعة، مارس 06، 2009

صلوا عليه وسلموا

ماذا يستطيع المرء أن يكتب عنه بعد كل الأدباء والشعراء .... ماذا تستطيع كلماتي أن تضيف بعد الأوصاف الألهية في القرآن ... وبعد كلمات الصحابة الذين عاشوا وسمعوا ونهلوا من النبع الصافي وعاينوا البدر في تمامه .... لاتستطيع الكلمات أن تضيف بعد ما كان ... أعياني البحث فلابد من شيء يقال .... وأنا لاأحب تكرار الكلام أو التشدق بكلمات مبتذلة ومعانٍ تمل منها الأسماع ..... لم أجد ما يقال .... فسألت نفسي سؤالاً ...... ماذا بقى لي منه يا نفس ؟ ...كلماته محفوظة في بطون الكتب الصحاح .... آثاره محفوظة لدي العلماء ... وصاياه مشهورة لدى كل من كان له قلب فماذا بقى لي منه ؟ .... ذكرتني نفسي بأشياء لم أفطن إليها في بادىء الأمر ...ذكرتني نفسي بمشهد من مشاهد القيامة حيث بلغ العطش من الناس ما بلغ .... ورأيتني وقد تقطعت بي السبل .... أذكر ذنوبي فأفزع .... أرى الناس حولي وقد طاشت عقولهم من هول المطلع ..... هذه جهنم يؤتى بها للحساب ... كيف بي وقد جاء بها الملائكة .... ووضعت أمامي ؟؟.... ما هو كم التعب والعطش والعرق والهول حينها ؟؟.... ثم أتذكره .... واقفاً هناك كالقمر في ليلة التمام .... يسقي أمته والناس حوله يتزاحمون عليه يسقيهم بيده حتى لا يظمأوا بعدها أبداً .....
ذكرتني بقوله "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " فكلما سلمت عليه رد على سلامي .... إذاً أستطيع أن أتفاعل معه حتى بعد موته .... هل تدرك معنى هذا ؟؟؟؟ كما أنك بصلاتك عليه يكفك الله ما أهمك كما جاء في الحديث "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال ""يا أيها الناس أذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أُبيّ: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال قلت فالثلثين قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك "
هل تدرك هذا المعنى؟؟ ... هذا وعد من الصادق بأن يكفيك الله همك وإن يغفر لك ذنبك ..... هل تصدق أم لا ؟؟؟ ...... .... أذكر قوله "إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا المتشدقون المتفيهقون الثرثارون " إذاً أستطيع أن أكون من أحب الناس للنبي وأقرب الناس منه بمجرد حسن الخلق وترك فضول الكلام " كم هذا بسيط وجميل .
اقتربت ذكرى المولد النبوي الشريف وسنسمع كلاماً من المتشدقون المتفيهقون الثرثارون على اختلاف مشاربهم .... فتارة يحدثونك عن البدعة وعدم جواز اتخاذ أعياد بخلاف العيدين .... وتارة يحدثونك عن بدعة "حلوى المولد " .... صداع الثرثرة لاينتهي .
إذا كنت تريد إرسال هدية له في يوم ميلاده ... هدية تنفعك أنت في المقام الأول .... هدية يغفر الله بها ذنبك أنت ويفرج بها همك .... صل عليه كثيراً .... وأفضل صيغ الصلاة عليه كما جاء في صحيح البخاري (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ قال ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) ...هل تعلم أن هذه الصيغة تستغرق 5 ثوان أي أن المائة منها تستغرق أقل من عشر قائق أي أن الألف منها تستغرق ساعة ونصف إلى ساعتين على أكثر تقدير ... فما هي هديتك؟؟؟ .... التي تساوي قيمتك عند نفسك وقيمتك عنده ؟؟
قليلة هي الكلمات التي يمكن أن تقال ولكن يمكننا أن نجعل كلماتنا القليلة تساوي الكثير .
________________________________________________
ملحوظة : أرجو من السادة الأفاضل الأصدقاء المدونون أن يخصصوا ولو (بوست ) قبل ذكرى المولد النبوي الشريف عن خواطرهم حول نبيهم كما أرجو أن نتواصى جميعاً بإحياء سنة الصلاة والسلام عليه فيما بيننا حتى ننال أجر كل المشاركين .
________________________________________________